كلمة إلى الشهيد رفيق الحريري في ذكرى اغتياله
14 Feb 201900:43 AM
كلمة إلى الشهيد رفيق الحريري في ذكرى اغتياله
من أعماق الوفاء... وبشوق الى رفيق درب الوطن، الذي تعلّمنا منه معنى العطاء والنجاح ومعنى الصداقة، ومعنى الرفيق الحقيقي، تاركاً لدينا انطباعاً لا يغيب عن بالنا وعقلنا.
انه سحر الكلام عن عزيز لم ولن يغيب ما دام هناك رفاق وناس آمنوا بحلمه ومشروعه ومُخلصين واوفياء الى نهجه وافكاره ووطنيّته وقطعوا على انفسهم وعداً بالمضي قدماً على خطّه الوطني من خلال ممارستهم وثقتهم دفاعاً عن كل المكتسبات التي تحقّقت ليقولوا للعالم: إن من كرّس عمره دفاعاً عن كرامة الناس وعن وفائه لوطنه لم يكن ليغيب اصلاً.
من أعماق الوفاء اعتبر نفسي من المحظوظين الذين أنعم الله عليهم وتعرّفوا عن قرب وعاشوا مع دولة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وقد أنعم الله عليّ ايضاً بمتابعة المسيرة مع دولة الرئيس الحبيب سعد الحريري الذي يتمتع بالكثير من خصال والده بدءاً من الاخلاق والصدق والوفاء والتواضع والحسّ الانساني.
كان الرئيس الشهيد رجلاً تاريخياً وكان بنظر اللبنانيين والعرب والعالم رجلاً استثنائياً، وانا ارى مع الكثير من الناس ان عائلة الرئيس بكل افرادها هي تاريخية واستثنائية كونها حملت الشعلة وتابعت المسيرة بنفس الروح والتوجّه.
صحيح ان دولة الرئيس الشهيد رفيق الحريري كان ناجحاً جداً في الاقتصاد وكان يملك رؤى اقتصادية مهمة جداً...، لكنه نجح ايضاً وبشكل باهر في السياسة، وكان رجل دولة من الطراز الاول في ممارسة عمله السياسي في رئاسة مجلس الوزراء، إلى جانب هذا وذاك كان يملك وجهاً انسانياً واجتماعياً بكل المعاني السامية والأحاسيس المُرهفة، فكان بحقّ رجلاً مميزاً يشعر دائماً بوجع الناس، لأنه خرج من بين صفوفهم وعاش اوجاعهم.
كإقتصاديين كانت لنا لقاءات عمل مستمرّة مع دولته منذ إنطلاقة مسيرته سنة 1992 كان دائماً يُكلمنا عن افكاره وعن احلامه وعن الخطط التي كان يحلم بها للبنان بصورة عامة ولمدينة بيروت العاصمة بصورة خاصة.
كُنا خارجين حديثاً من الحروب المتتالية وقد لمسنا لديه معنويات حديدية وعالية، وكنا نأمل في حينه ان يتحقق ولو عشرة بالمائة من كلام واحلام الرئيس. إلاّ اننا كنا في حينه مُحبطين من الظروف القاسية التي كُنا نعيشها.
عِشنا احلام دولة الرئيس الشهيد كما هي، والأهم اننا عِشنا ايضاً تحقيق وتنفيذ هذه الاحلام التي اصبحت حقيقة.
الى ان اصبحنا غير قادرين على اللّحاق به. كل يوم هناك افتتاح مشروع جديد، مدرسة، مستشفى، طريق، اوتوستراد، نفق، عقد مؤتمر عربي او دولي.
كان يعمل ليل نهار، همّه كله مُنصبّ على كيفية جلب السعادة والفرح الى اهل بلده الذين عاشوا سنوات من القهر ابتداءً من العام 1975 الى 1992.
كانت لدى الرئيس الشهيد رؤية اقتصادية من تشجيع القطاع الخاص الى زيادة الاستثمار وتوسيع دائرة التجارة، لأنه يعتمد عليه من اجل تشغيل اكبر عدد ممكن من اليد العاملة والحفاظ على عنصر الشباب من خلال ايجاد فرص عمل يضمن لهم بقاءهم في لبنان. كان دائماً مستعجلاً من أجل إنجاز ما يحلم به لوطنه ولأبناء وطنه.
وقد تزامن عمله مع معارضة شديدة من بعض السياسيين، إلاّ انه لم يكُن يتأثر بما يُقال. وكان يقول: هيدا الحكي، كله لا قيمة له امام ما نقوم به على الصعيد الوطني. نحن نعمل لأجل الناس وخير الناس... لا يأبه للتجنّي والإفتراء عليه بالكلام القاسي او الجارح، وإن كان يخفي في قلبه ووجدانه ألماً عميقاً من هذا الافتراء، مُستأنساً الى إيمانه الكبير بالله عزّ وجلّ، ومُستنداً الى ثقته الكبيرة بنفسه وبأخلاقه اولاً، وإلى إنصاف أهل الصدق والوفاء والأوادم من اللبنانيين الشرفاء.
الرئيس الشهيد كان مدرسة في الخطاب السياسي الراقي، والعمل السياسي بالنسبة له كان فنّاً أخلاقياً نبيلاً قلّ نظيره، وكان دائم التفاؤل، مُحباً للفرح والسعادة، والبسمة لا تُفارق وجهه، وهمه غرس بذور الفرح والتفاؤل في وجوه اللبنانيين.
يقول: سمعنا اصواتاً كثيرةً تتّهمُنا ببناء الحجر قبل البشر... وهذا الكلام «مانو دقيق...» لدينا تصوّراً في بناء البشر الذي يحتاج الى أُسس ومبادئ... فكيف نُعلّم تلميذاً ولا توجد مدرسة؟ وكيف لنا ان نُعالج مريضاً من دون مستشفى؟ وكيف لمواطن ان يسافر باحترام وراحة من دون مطار يليق به؟؟؟.
اليوم، وبعد 14 سنة على جريمة العصر باغتيال الرئيس الشهيد، نرى آثار أقواله واعماله بصمات دامغة في كل عمل عمراني او إنمائي او ثقافي او فنّي في كل لوحة الوطن من العاصمة الحبيبة بيروت الى كل مرفق ومرفأ ومُفترق على مساحة الوطن العالي، كلها تُذكّرنا بالرئيس رفيق الحريري.
ما زال الرئيس الشهيد موجوداً في كل حلم وفي كل حقيقة وفي كل طموح وفي كل تحدّ وفي كل إنجاز... وكم نفتقده اليوم في هذه الظروف الصعبة التي يمرّ بها وطننا؟؟ نعم وبأعلى الصوت نقول «في الليلة الظلماء يفتقد البدر...».
إذا ذكرت الكرم والجود وحب العطاء، ذكرت معها رفيق الحريري، كان قمّةً في العطاء وعمل الخير، وقد توّج أعمال البرّ ببناء جامع محمد الامين صلّى الله عليه وسلّم في وسط العاصمة بيروت، مع علمِه بأن في بيروت الكثير من المساجد... إلاّ أنه رأى في بناء مسجد كبير تتويجاً لعملية إعادة إعمار العاصمة بيروت، فحقّق حلم المسلمين الذي راوده دائماً ببناء المسجد، لانه يُجاور أكبر كنيسة في وسط بيروت، مسجداً بذلك رمزية العاصمة في العيش الوطني المُشترك، في مشهد نادر يجمع أكبر كنيسة الى جانب أكبر جامع في لبنان.
والكلام عن الرئيس الشهيد لا ينتهي لأننا مع مرور الايام... كلّما التقينا بأناس واينما كنّا في هذا العالم نجد من القريب والبعيد والعربي والاجنبي مَنْ يسألنا او يُحدّثنا عن الرئيس الشهيد... وهو ما يجعلنا على مدى اجيال قادمة نفتخر ونفتخر بما أنجزه هذا الرجل الكبير في سبيل ابناء وطنه في حياته... وحتى بعد استشهاده لا نزال نستقبل شخصيات عربية وعالمية عند ضريحه، وهي تتكلّم وتكتُب في السجل الذهبي عن عظمة هذا الرجل الاستثنائي والفريد في زماننا.
ليس معنى هذا اننا نعيش على الاطلال... نعم خسرنا وخسِر لبنان فرصةً نادرةً بخسارة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهذه ضريبة اعتدنا ان تدفعها الشعوب في البلدان النّامية التي لا يُكتب لها ان تنعمَ بقيادة وإنجازات هذا النوع من القياديين إلاّ نادراً، لكننا نعتبرها محطّات للذكرى وللعبرة نستمد منها القوة والعزيمة والنشاط من اجل متابعة المسيرة التي يقودها بأمانة الحبيب الغالي دولة الرئيس سعد الحريري.