قصة الثورة السورية البداية ابن الخال وابن الخالة فجرا ثورة شعب سوريا ضد بشار وماهر الاسد
الشراع

قد يفاجأ من هم خارج سوريا، او ممن لا يتابعون الشأن السوري بأن ابن خال الرئيس رامي مخلوف وابن خالته عاطف نجيب كانا الوقود الذي اشعل ثورة الشعب السوري ضد عائلة الاسد.

في سلوك وسياسة ونهج وطول مدة وقهر ومكيافيلية العائلة ما يبرر الثورة ضدها منذ سنوات طويلة، رغم الرعب والقتل والارهاب.

لكن المرجل الذي تغلي ماؤه بمئات درجات الحرارة، يحتاج الى متنفس ليصفر ويخرج بخاره ثم يقول للدنيا انه موجود، وان ما يحتويه سينفجر بما فيه.

المتنفس او الحريق جاء من مستصغر الشرر. والاثنان رامي مخلوف وعاطف نجيب جاءا بالوقود الى الشرارات الصغيرة فاشتعل الحريق الكبير في سوريا انها ثورة 15 آذار/مارس فلنقرأها من البداية.

الشرر الاول تأييد ثورة مصر

تحمس شباب سوري بينه كبار في السن ورجال، لثورة مصر منذ بدايتها، معظمه من اليسار وناصريون واسلاميون مستقلون ووطنيون من دون اي ارتباط حزبي، لثورة 25 يناير في مصر، خاصة وهم يتابعون يوماً بيوم بل ساعة بساعة كيف يتراجع نظام الرئيس حسني مبارك الحاكم منذ 30 سنة، ابن المؤسسة العسكرية وبطل من ابطال حرب اكتوبر/ت1 التي خاضها الجيشان المصري والسوري سوية عام 1973 ضد اسرائيل.. يتراجع امام اصرار شباب مصر المستقل على مطالبه التي بدأت بشعار الشعب يريد اصلاح النظام، الى شعار حاسم: الشعب يريد اسقاط النظام.

في 5 شباط/فبراير توجه نحو 50 شاباً من هؤلاء من مختلف مناطق دمشق ومدن سوريا الى محيط السفارة المصرية في العاصمة السورية عند شارع 17 نيسان/ابريل مقابل مجلس الوزراء السوري يهتفون تحية لمصر، ويغنون اغاني الشيخ امام وأشعار احمد فؤاد نجم.

كانت قوات حفظ النظام السوري تراقبهم، وهم كانوا يدركون بحسهم ومعلوماتهم البسيطة، ان مهمة هذه القوات هي فعلاً حفظ النظام، ولو كانت النية متجهة لقمعهم لأنـزلت السلطة عناصر امنية مسلحة ليكون القمع عنوان المواجهة ولن يستغرق الامر كثيراً لقمعهم او تفريقهم.

كانت السلطات السورية تغض البصر عن هذا التجمع الذي تكرر لثلاثة ايام متتالية، فقد كان بشار الاسد يكره حسني مبارك، لأن الرئيس المصري لم يوجه له دعوة لزيارة القاهرة، رغم ان الاسد اعلن في الكويت عام 2009 انه مستعد لزيارة ارض الكنانة، وأنه ينتظر دعوة من الرئيس المصري، لكن مبارك وبعد طول الحاح حدد له موعداً يناسب برنامج الرئيس المصري، فاعتبره الاسد استدعاء وليس دعوة.

هذا،

الى جانب ان مصر كانت ترى في سلوك نظام الاسد عربياً، وعلاقاته مع ايران وحزب الله وحماس، ما يشي بأن السياسة السورية لا يمكن ان تلتقي مع السياسة المصرية، وانها مضرة بالتضامن العربي ومساره المتعثر ايضاْ، تعامل الامن السوري بهدوء مع تظاهرات التأييد السورية الوطنية للشعب المصري في ثورته ضد مبارك..

هذا اولاً،

فلما تحمس الشباب في الهتاف وهتفوا شعراً

يا ظلام السجن خيّم اننا نهوى الظلاما

استشعر اهل السلطة السورية ان كل كلمة ظلم تطلق في سوريا، تعنيهم مباشرة، فتحول الاحتضان الى مواجهة وضرب واعتقال.

وكانت الناشطة الحقوقية رئيسة منتدى جمال الاتاسي وابنة المناضل الكبير الراحل سهير الاتاسي المشاركة في التحركات تأييداً لثورة مصر، حاضرة دائماً، لذا كانت سهير تنال نصيبها دائماً من الصفع والركل، وفي احدى المرات ارسلت اجهزة الامن لمعاقبتها اثنتين من بنات الهوى لضربها بالاحزمة.. وقبل ذلك كان عميد في الامن قد صفعها على خدها وشدها من شعرها وهو يصرخ فيها: ((انت ما راح تحرّمي (اشارة الى تحركها الدائم ضد النظام ودعوتها للاصلاح ولربيع سوري مزهر) انت عميلة لاسرائيل)).

بعد التحرك نحو السفارة المصرية في دمشق، جاءت تظاهرة صغيرة ايضاً في باب توما ولم يتجاوز المشاركون فيها ايضاً الـ 70 متظاهراً.. ومعظمهم من اليساريين والناصريين (بينهم سهير الاتاسي) والاسلاميين والمستقلين، لينضم اليهم بعد هتافات مختلفة نفر من اهل المنطقة.. سرعان ما انفضت بعد تعرض قوى الامن لها واعتقال عدد من المشاركين تجاوزوا الـ 30 معتقلاً.

 

تأييداً لثورة ليبيا

انتصرت ثورة مصر بقبول الرئيس حسني مبارك التنحي عن السلطة يوم 11/2/2011، لتبدأ ثورة الشعب الليـبي ضد نظام القذافي يوم 17/2/2011 اي بعد انتصار ثورة مصر بستة ايام فقط (والبعض يؤرخ لبدء ثورة ليبيا في بني غازي في 15/2/2011) اي بعد اربعة ايام فقط من نجاح الثورة المصرية.

توجه عدد من المتظاهرين.. وربما هم انفسهم ومعهم عدد من الفنانين كالمخرج حاتم علي (وكان شارك في تظاهرة السفارة المصرية) ودائماً سهير الاتاسي الى السفارة الليـبية في منطقة ابو رمانة، وهتفوا تأييداً لثورة الشعب الليـبي.

هنا ظهرت اجهزة الامن القمعية، فنظام العقيد هو شريك نظام الاسد في كل موبقات السلطة: توريث، قمع، حكم عائلي، فساد، استعلاء على الناس، ولا يريد الاسد ان يتخلى عن القذافي ليسقط، فهذا فأل سيىء كمقدمة لسقوط الاسد نفسه.

قمعت سلطات الامن السورية التظاهرة الوحيدة التي خرجت لتأييد ثورة الشعب الليـبي في سوريا، واعتقلت فيها شاباً واحداً هتف من اجله المتظاهرون (أطلقوا ماجد وهذا ليس اسمه حتى ترك بعد فترة وجيزة).

 

تظاهرة المسجد العمري

في 13 آذار/مارس بعد تكرار التظاهرات الصغيرة المنظمة التي يشكل الشباب الوطني غير المنظم نسبتها الاعلى تجمع العشرات منهم (بين 70 الى 100 متظاهر) امام المسجد العمري، ولم يدخلوه، ولم يصلوا وانطلقوا في تظاهرة بعد خروج المصلين وانضمام بعضهم اليهم، داخل سوق الحميدية بعد صلاة الظهر، لذا قال عنهم الشيخ محمد سعيد البوطي رجل النظام الموروث ابناً عن اب: انهم لا يصلون وليس بينهم من على وجهه آثار الصلاة او السجود!!

اختاروا المرور بالسوق لأن الصوت داخله يتضخم بسبب الصدى، ولأنه مكتظ بالناس، ويسهل الفرار فيه والاندساس داخل صفوف الزبائن، وكان الهتاف واحداً حرية.. حرية.. وكانت هذه الهتافات كافية كي ينقلب الباعة الجوالون، الذين يقفون خلف وعند عربات بيع الكعك والترمس وفاكهة الموسم إلى مخبرين يكشفون هوياتهم الحقيقية، ويهاجمون المتظاهرين فيضربون ويسحلون على الارض بعضهم، ثم يسارع بعض البائعين – المخبرين ليجيئوا بالحافلات الصغيرة لتحمل المعتقلين إليها، مما يؤكد جهوزيتهم الدائمة لأي طارىء.

كان بين المتظاهرين رجال ونساء، وربع التظاهرة من النساء، نصفهن محجبات.

 

تظاهرة أمام وزارة الداخلية

في 14 آذار/مارس توجهت أمهات معتقلين للاعتصام أمام وزارة الداخلية في قلب دمشق للمطالبة إما بالإفراج عن أولادهن، وإما إخضاعهم للمحاكمة، والسماح بتوفير محامين لهم، بعد ان طال الاعتقال دون تهمة أو محاكمة أو حق دفاع.

شارك في هذا الاعتصام الذي لم يدم أكثر من دقائق د. طيب تيزيني وابنة كمال اللبواني وعدد من نشطاء الرأي ودائماً سهير الاتاسي وسرعان ما تعاملت معها أجهزة الأمن بالقمع فاعتقلت د. طيب لفترة وجيزة، بعد ان تلقى ضربة على رأسه ووجهه.

 

درعا تنتفض

في 15 آذار/مارس دعا شباب ثائر عبر وسائل الاتصال الاجتماعي شعب سوريا لإعلان بدء ثورته ضد نظام عائلة الأسد.. فبدا أول الأمر ان أحداً لم يستجب لتلك الدعوة، إلا شباب صغير حد الطفولة (13 إلى 15 سنة) خرجوا وكتبوا على الجدران في مدينة درعا عبارات ضد النظام أشهرها على الاطلاق: يا دكتور.. إجاك الدور.

 

من هنا كانت البداية

استفز هذا الشعار ابن خالة بشار الأسد، مسؤول الأمن السياسي في محافظة درعا (حوران سابقاً) عاطف نجيب.

وعاطف هذا ابن فاطمة مخلوف شقيقة أنيسة مخلوف والدة بشار، ولن نفهم طبيعية ثورة درعا كاستمرار وتتويج لتحركات شعب سوريا ضد نظامه، إلا إذا أوردنا جزءاً من سيرة عاطف هذا.

عندما بدأ حافظ الأسد يهيىء ابنه باسل ليرثه اختار الأخير عدداً من أقربائه كي يشكلوا له نواة أمنية خاصة به ليواكب أجهزة الأمن التي كانت تنمو في تلافيف نظام الأسد الأب، وهي إحدى هواياته بل وأساسيات حكمه.. وكان عاطف نجيب أبرز الاقارب لأن حافظ ورامي كانا صغيري السن وعلى مقاعد الدراسة يومها.

مات باسل فورثه بشار، كما ورث السلطة من والده حافظ، وكان عاطف يرتقي بالوظائف في عهد بشار، حتى اختاره لصلافته منافساً بل وغريماً لدوداً لخصم بشار الأكبر غازي كنعان عندما سحبه من لبنان لتسليمه إلى رستم غزالة، ابن خربة غزالة إحدى القرى الفقيرة في محافظة درعا.

تسلم غازي كنعان مسؤولية الأمن السياسي بعد إحالة عدنان بدر حسن إلى التقاعد، وكان عاطف نجيب شوكة في حلق أبو يعرب ورغم ان عاطف هذا كان نائب رئيس فرع دمشق للأمن السياسي، إلا انه كان يأمر رئيس الفرع، وأنشأ فيه عصبة من الضباط الفاسدين المرتبطين به، عدا عن ان هذا الجهاز وغيره كان يعج بالضباط والعناصر الفاسدة والمفسدة والشديدة القساوة في التعامل مع البشر، والفساد والغلظة هما سمتان أساسيتان في حكم عائلة الأسد أباً وأولاداً وأقارب.

ولأن عاطف نجيب كان يعرف ان سوريا كلها ملك لآل الأسد، أورثها حافظ لأولاده، وأولاده مع والدتهم أنيسة مخلوف جاءت بإبن أخيها رامي وحافظ كي يساعدا ولديها ماهر وبشار، في الأمن وفي جمع المال، وجاءت بإبن أختها عاطف كي يساعد بشار وماهر في الإمساك بالسلطة، وجعلت صهرها بعل ابنتها بشرى آصف شوكت شريكاً أول الأمر في السلطة رغم انه سني من بلدة سورية على حدود لبنان.

هذا الواقع كان يعيشه عاطف نجيب، لذا أخذ راحته، وبدعم من خالته وأولادها راح يؤسس للشركات التي كانت تشتري حاجيات الدولة وتشتري معها قطع غياراتها ان كانت سيارات، ويبيعها الاجهزة الكهربائية وكل ما تحتاجه المؤسسات الرسمية بأسعار أعلى من سعرها في ألمانيا وأوروبا نفسها.

وحين انتقل لفترة إلى اللاذقية، احتكر عاطف نجيب جبالها ليحولها إلى بحص وحجارة عبر كسارات أقامها ليحيل الخضرة إلى رمادي، وليكدس المال حتى يثبت انتماءه للأسرة الحاكمة، فهو أيضاً ثري سلطة فإذا كان أولاد خاله رامي وحافظ تحولا إلى مليارديرين بالسلطة المالية والأمنية بين أيديهم فإنه يجب أن يجاريهم في المال والسلطة أيضاً والجميع على دين بشار وماهر قطبي المال والسلطة في سوريا.

هكذا كان واصبح وما زال الحكم في سوريا عائلياً مالياً، سلطوياً إلى الأبد ولم ولن يسقطه إلا شباب سوريا وهو يهتف:

إلى الأبد إلى الأبد.. في جهنم آل الأسد.

 

الحاكم بأمره

في درعا التي كان فيها عاطف نجيب حاكماً بأمره.. استملك أخصب الاراضي، وبأسعار شبه مجانية، ويبيعها بأسعار خيالية.

وقبل أن نقدم للقارىء الرابط المستحكم بين عاطف نجيب وإبن خاله رامي مخلوف تعالوا نقرأ كيف تعامل عاطف هذا مع شعار أطفال درعا: يا دكتور.. إجاك الدور.

جن جنون مسؤول الأمن السياسي عندما نقل له عسسه المنتشرون في كل حبة رمل، وحنطة وغصن شجرة في سهول حوران ان هذه العبارة وجدت على جدران طبيبة جميلة في البلدة.. كثيراً ما كانت التقارير تصل عنها إلى عاطف انها متمردة، وانها لا تحبنا.

في إحدى المناسبات رأى عاطف نجيب هذه الطبيبة الشابة وأعجب بها، ويقول بعض من أبناء القرية انه أرادها لنفسه وانها تمنعت عنه بإباء فحقد عليها وكان ينتظر الفرصة المناسبة لتأديبها.

وقد جاءته هذه الفرصة، فالعبارة التي جننته وجدت على جدار عيادتها، فاستدعاها لسؤالها عنها، فقالت أنتم تعرفون من كتبها، فأنتم تحصون علينا أنفاسنا وتعرفون كل شيء في بلدنا.. فلماذا تسألني؟

اشتم عاطف نجيب تمرداً من الطبيبة فقام إليها مع نفر من عناصره ونزعوا عنها ملابسها بالقوة والعنف، حتى باتت شبه عارية أمامهم، ثم سجنها وأرسل لأهالي المدينة يخبرهم ((بإنجازه)).

هذا أولاً،

ثم أكمل مشروعه التحريري بإعتقال عدد من أطفال المدينة، موجهاً إليهم تهمة تحقير رئيس الجمهورية، وسامهم الضرب والتعذيب والتنكيل ورفع اجسادهم بالمقلوب ونـزع أظافر ايديهم بالبانسات وكذلك أظافر أرجلهم، وعندما جاء وفد من أهاليهم يطالب بإطلاق سراحهم سمعوا العجب.

 

صدقوا او لا تصدقوا

طلب آباء الاولاد المعتقلين من عاطف نجيب ان يطلق سراحهم، فكان رده العجيب المتعالي: (اذهبوا وناموا مع نسائكم وهاتوا اولاداً غيرهم، وانسوا هؤلاء الاولاد. وإذا عجزتم عن انجاب الاولاد من نسائكم فهاتوهن لأدلكم كيف ينجبون الاولاد).

نـزع الرجال العقال عن رؤوسهم ورموها ارضاً رفضاً لهذه الإهانة، فأمر رجاله ان يضربوهم تأديباً لهم لأنهم ردوا على إهانته بالغضب (هذه الرواية وردت على لسان الشيخ عدنان عرعور في قناة (الوصال).

كانت هذه الواقعة – الوقيعة يوم الثلاثاء في 15/3/2011 وانتشرت خلال ايام ثلاثة في كل ارجاء درعا، حتى كانت صلاة الجمعة في 18/3/2011، والقصة على كل لسان والرجال في المسجد يستمعون من خطيب الجامع الى استنكار وغضب ودعوة للتحرك ثأراً للكرامة وما يجري في هذه البلاد.

انفجرت في درعا وخرج الآلاف من المسجد الى شوارع المدينة، لأول مرة منذ زمن بعيد كان النظام خلالها يعتبر انه أمّن هذه المحافظة من خلال تصعيد بعض ابنائها، ففاروق الشرع منها نائباً للرئيس، وفيصل المقداد منها، نائباً لوزير الخارجية، ورستم غزاله منها، وكان حاكماً للبنان.

 

تعالوا الى الأخطر

درعا محافظة ومدينة وسهلاً على حدود الجولان.. هذا في الجغرافيا.

درعا سكاناً مرتبطة بالنظام كما اسلفنا.. هذا في السياسة.

درعا في الاقتصاد امتداد للقنيطرة في الجولان وهنا بداية اخرى.

ففي الاراضي المحررة في الجولان راح اركان النظام السابقون (مصطفى طلاس، حكمت الشهابي، علي دوبا وآخرون) يشترون آلاف الهكتارات من الاراضي كي يهيئوها للزراعة.. والأهم للسياحة، تمهيداً لصفقة تجري يوماً ما بالصلح مع العدو الصهيوني، فتتحول الاراضي التي تم شراؤها بالقروش الى اراضٍ تساوي الملايين.

هذا سابقاً ولجيل مضى في السلطة من رجال الأسد الأب، حالياً.. جاء دور رجال الاسد الإبن.. خاصة اذا كان ابن خاله رامي مخلوف.

انتشرت في منطقة درعا اخبار كالنار في الهشيم بأن الاراضي التي يستملكها عاطف نجيب في سهول حوران، هي شراكة بينه وبين ابن خاله رامي مخلوف، وان رامي نفسه يشتري الاراضي بسعر التراب غصباً وقهراً كي يقيم فيها مشاريع سياحية تسبق مشاريع طلاس والشهابي ودوبا المتوقعة.

كان للاشاعات، كما هي العادة، نصيب من الصدقية، مع معرفة ان رامي مخلوف كان ينتظر يوم 28/3/2011 كي يحصل على بدء تنفيذ حكم قضائي باستملاكه موقعاً جبلياً في قاسيون مطلاً على دمشق، ينتج عنه تهجير عشرة آلاف اسرة من ساكني البيوت الفقيرة والعشش في حضن الجبل.

ولرامي مخلوف في جبل قاسيون مطعم صغير مطل على دمشق، ويريد بناء مشروع سياحي ضخم في قمة الجبل ويريد تأمين منظر جميل بدل العشش ومنازل الفقراء.

مشروع رامي الجديد كان يستدعي شق طرقات وسط بيوت الناس في ركن الدين والمهاجرين والشيخ خالد، وهذه المناطق تعج بالأكراد (في ركن الدين والشيخ خالد) مع اعداد من الشركس، اما في المهاجرين فالسكان سنة وشيعة.

شق الطرقات العريضة وتشجيرها كان يعني تهجير 10 آلاف عائلة، وكان الحكم القضائي صدر بالإخلاء تمهيداً للهدم، وكان التنفيذ محدداً يوم 28/3/ لولا قيام الثورة حيث تأجل كل شيء.

وهذه المنطقة على ما يقول سكان في دمشق، تعتبر الأكثر خروجاً على القانون، والدولة تعجز عن الدخول اليها، رغم اشرافها على دمشق، لأن اوضاع الناس فيها صعبة اجتماعياً واقتصادياً، ومادياً وفيها مهجرون جاؤوا من الجولان ومن الشمال الشرقي بعد تكرار سنوات الجفاف، وفقراء ضاقت بهم سبل العيش ووجدوا السكن فيها هروباً من الايجارات المرتفعة ومتطلبات العيش الاخرى، فاستكانوا اليها وانشأوا فيها مجتمعهم الصعب تماماً كما حال العشوائيات في قلب ومحيط القاهرة، وكما هي حال الضاحية وحزام البؤس الذي يحيط ببيروت وحولها الى مدينة خارجة عن الشرعية والقانون.

كان الناس يتداولون هذه الاخبار في درعا.. كما في مختلف انحاء سوريا،وتصمت بل وتمتنع عن مجرد التفكير بها، خوفاً وسعياً للحياة وحرصاً على النفس والاولاد..

الى ان تراكمت واثقلت الكاهل وحصل كما قال شيخ الجامع العمري في درعا احمد الصياصنة المعتقل الآن، وقد قتلوا ولده لأنه لم يعرف مكان والده، لبشار الأسد: الناس يا سيادة الرئيس انفجرت لأنها لم تعد تستطيع التحمل.

نعم،

كان كل أمر يدعو في سوريا الى الثورة، ومرجل الفائر يحتاج الى متنفس لينفث بخاره، وأهل درعا عانوا كما كل ركن في سوريا، وحكم عائلة الأسد يستشري كالسرطان في الجسد السوري، ومقاومة هذا السرطان حق وواجب شرعي وديني واخلاقي وصحي، وقد توافرت كل عوامل المقاومة واستدعاءاتها خاصة وان الدفاع موجود والاداة هي التكنولوجيا التي توافرت لشباب سوريا: ادوات التواصل الاجتماعي.. وسط شعب مثقف واعٍ زاد الضغط على كل شأن في حياته وجسده وعقله حتى انفجر.. انها بداية الثورة.