لجأ هذه المرة الى اسلوب الهدوء ولو كان هدوءاً مفتعلاً. حسن نصرالله في مطولته الخطابية الاخيرة لم يستعمل كما جرت العادة اصبعه المهدد، بدا وكأنه ابتلع عبوة كاملة من الحبوب المهدئة للاعصاب وخرج الى الناس عبر الشاشة طبعا. لا يجرؤ أبعد من ذلك، ليقترح علينا انشاء مجلس تأسيسي جديد للبلاد!! بمعنى اخر، اعلان دفن اتفاق الطائف والدستور اللبناني بامه وابيه، هذا بدل ان نتلهّى بالكلام "السخيف" عن السلاح وتسليمه، فلنناقش اذن المجلس التأسيسي!!
وأكثر من ذلك، دعا الرجل الى طاولة حوار "هادئة" تجمع اللبنانيين كافة، وبدأ يتكلم ويستفيض عن المثاليات الوطنية، وعن الجمهورية "القوية" وعن مقومات الدولة الفعلية، التي لا يمكن أن يحكمها الا رئيس واحد وجيش واحد وما شابه!!! وكأنه بذلك يريد الاثبات اولاً، بأنه هو بالاساس صاحب الدعوة الى الحوار وليس رئيس البلاد، أو ليفهمنا ع الناعم، ان رئيس البلاد ما كان ليتوجه بالدعوة الى الحوار، لو لم يكن أخذ مسبقاً الاذن من والي الضاحية. وثانياً والاهم، ظن الرجل انه بالكلام الهادئ المفتعل، سينسينا ما يفعله هو نفسه وداعموه في ايران وسوريا بالجمهورية "القوية" والدولة التي ما عادت دولة بحضرة سلاحه!!
نعود الى لب الموضوع المؤتمر التأسيسي. سؤال من مواطنة بسيطة لا تفقه في السياسة والاعيبها وزواريبها، انما حسبها انها تحفظ فقط بعض التواريخ. ماذا فعلت يا داعية الحوار العام 2006 حين شاركت شخصيا، تصوروا، شخصيا في أول طاولة حوار، وبعد هزيمتك المتمثلة بجلاء جيش الاحتلال السوري عن لبنان؟ حاورت من فوق الطاولة ووضعت الدبابة من تحتها، ولما خرجت افتعلت حرب تموز المدمرة وهللت بالنصر مع اكثر من 2000 شهيد ودمار هائل لا مثيل له، في مقابل قرابة 150 قتيلاً لاسرائيل، في حين ان القرار 1701 الدولي كان الاقرار الفاقع بهزيمتك. من جديد قبلت المشاركة، ليس شخصيا هذه المرة، بحوار العام 2008، الاسلوب نفسه، كلام وكلام ومثاليات من فوق الطاولة، والسلاح من تحتها يُلقّم، فكانت 7 ايار "المجيدة" ومؤتمر الدوحة. قبلت بطاولة حوار 2009 بعد هزيمة "8 اذار" بالانتخابات النيابية، فشاركت في تمثيلية بالغة النجاح لتلجأ لاحقا الى القمصان السود في الشوارع لتسقط حكومة الوحدة الوطنية و"تترأس" من حيث انت، حكومة اللون الواحد، ولحقوا على فساد وهزائم وحروب شوارع صغيرة وامن متفلت وحدود سائبة ووطن يبدو وكأنه على شفير انفجار لا تحمد عقباه.
الان يقرع الرجل جرس حوار الـ 2012. طبيعي. بشار الاسد على شفير الهاوية. السلاح المكدّس في زوايا الوطن وينخره جبلا جبلا وقمة قمة، ينخر غضبا وحقدا وثورة متوثبة لدى اللبنانيين. ايران محشورة في زاوية الحصار الدولي، وشعبها ثورة مخنوقة تتوثب على الانفجار. حزب السلاح متورط حتى الثمالة في الدماء السورية، البلاد تتطالب باعدام السلاح غير الشرعي، وتنادي بالجيش اللبناني والجمهورية القوية، وموت الجمهوريات البديلة المدمرة لقلب الوطن... ما المهرب؟ كالعادة الدعوة الى الحوار "واختراع" الملفات البديلة. تريدون مناقشة السلاح نطرح بديلا اخر، الغاء الدستور واتفاق الطائف! بديل يلغي الاخر بطريقة او باخرى، ويجعل حكم السلاح هو الدستور البديل...
بالهدوء نفسه انما من دون تكاذب، وبكثير كثير من الثورة والغضب أيضا والرفض المطلق، لا للحوار. ما رأيك يا سيّد؟ نحن الانعزاليين المتقوقعين بنظر بعضهم، هذه المرة لا لا لا للحوار، اما مناقشة السلاح والا لا داعي للتمثيل. مهرجان "كان" انتهى، و"الاوسكار" ايضاً وزعت جوائزه، و"الموريكس دور" لن نلحّقه، اذن لا سجادة حمراء نفترشها ليمشي عليها "النجوم" أمام القصر الجمهوري، ولا جوائز توزّع أمام عدسات الكاميرات لافضل محاور، انتهى الموسم. اسدلت الستارة. التمثيل ما عاد مقنعاً كفاية، السناريو ضعيف مهزوز والحبكة غير متماسكة، واللبنانيون غيروا الاستراتيجية الدفاعية الخاصة بهم، فرغم "عظمة" الترسانة العسكرية اياها، تحولوا، كل واحد منهم، الى ترسانة بحد ذاته، حوار المتزلفين لا يعنيهم، وحده حوار لبناني صرف، يجلس اليه لبنانيون حقيقيون يحكون بحنان وشغف عن لبنان، هذا ما يعنيهم، والا فالمقاومة، وللمقاومة الف سلاح غير الترسانات والبواريد، فالمقاومة مستمرة، ومن حقق ثورة الارز مرة، يفعلها كل يوم والف مرة ان اقتضى الامر.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك