قد ينسجم التركيز على المخاوف التي تتعلّق بالتصنيفات الدولية المُنتظرة في أواخر الشهر الجاري، مع التنبّه الى مساوئ استمرار الإحتجاجات والتطوّرات الأمنية الفلسطينية ذات الأسباب والأهداف المختلفة، مُستفيدة من الخريطة السياسية اللبنانية المُنهَكَة، والتي يُنتظر أن تدخل مرحلة جديدة من المتاعب، على ضوء تطورات الأيام الأخيرة.
وفي السياق عينه، يبدو أن الحكومة اللبنانية باتت ساحة لهجوم مضادّ، سيأخذ مفاعيله في الساعات والأيام القادمة، حتى ولو تمّت الدعوة الى انعقاد جلسة لمجلس الوزراء. فبعدما كان رئيس الحكومة سعد الحريري مستعجلاً لتفعيل عمل حكومته، وسط انتظار من قِبَل رئيس الجمهورية ميشال عون وفريقه السياسي، ها هي الأدوار تنقلب، فيدخل الحريري دائرة التمهُّل، ويُدخل رئيس الجمهورية والحكومة في دوّامة انتظار جديدة، في رسالة هي الأوضح لوزير الخارجية جبران باسيل الذي أوقف جلسة 2 تموز. والرسالة هي أن مجلس الوزراء ينعقد بحسب إرادة رئيس الحكومة وصلاحياته الدّستورية، وليس فقط بحسب صلاحيات رئيس الجمهورية، وأن لا جلسات حكومية بعد اليوم، بحسب "المشيئة الباسيلية" فقط.
هل بات الحريري يستفيد من الدّعم السعودي والسنّي الداخلي؟ وهل بات قادراً على "التكشير عن أنياب" صلاحياته؟ أم انه مجرّد تباين ظرفي لا أكثر ولا أقلّ؟ وهل يُمكن القول إن الحكومة دخلت مرحلة "ستاتيكو"؟ ووفق أي خريطة سياسية؟ ولماذا؟
وبما ينسجم مع ذلك، صار رئيس الجمهورية مُحرَجاً في الوقت الحالي، فيما الحريري قد يكون بدأ مسار إفهام الفريق الرئاسي أن لا حكم من دوني (الحريري)، ومن دون مراعاة لإرادتي ولصلاحياتي. وهذا كلّه في وقت أن عين الأسواق الدولية شاخصة الى لبنان، من جهة، فيما الملف الفلسطيني وتداعيات تطبيق القانون اللبناني على الفلسطينيين لا يجوز أن يستمرّ على حال الإحتجاجات الحاصلة، وهو ما يستوجب من الرئيس عون تحديداً أن يضرب بيده على الطاولة، منعاً من انفلات هذا الملف على وقع "جمود" السياسة اللبنانية.
ولفتت مصادر سياسية مطّلعة الى أن "عدم استجابة الحريري لطلب عون في الملف الحكومي أمس لا تمسّ بطبيعة التسوية الى الآن، ولكنّها ذات رسائل متعدّدة، أبرزها إفهام وزير الخارجية جبران باسيل تحديداً بأن قواعد اللّعبة داخل مجلس الوزراء تغيّرت في المرحلة القادمة".
وأكدت في حديث الى وكالة "أخبار اليوم" أن "آخر المعلومات تُشير الى أن الرئيس عون قد يحضر أي جلسة حكومية ستُعقَد ليطلب إحالة ملف أحداث قبرشمون على المجلس العدلي، بهدف إحراج رئيس الحكومة والأطراف المُعترضة، ومحاولة إلزامها بالتصويت. وعندها سيضطّر فريق "المستقبل" - "الإشتراكي" - "القوات" الى الانسحاب من الجلسة على الأقلّ. وفي تلك الحالة، يُصبح تعطيل الحكومة مسؤولية رئيسها (الحريري) الذي سينسحب أيضاً من الجلسة، وهنا نكون دخلنا في أزمة طويلة".
وشرحت المصادر: "لذلك، يحرص الحريري على تحضير الأجواء قبل عَقْد أي جلسة في القادم من الأيام، لا سيّما أن الواقع لا يسمح للرئيس عون، وبحجّة صلاحياته الدستورية، أن يطلب تفسير الدستور مرّة، أو عقد جلسة لمجلس الوزراء في مرّة أخرى، أو التلويح بطرح أمور من خارج بنود جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء، رغم أن ذلك يتوافق مع صلاحياته الدستورية. ولكن استعمال الصلاحيات بهذه الطريقة هو افتئات على دور رئاسة الحكومة، ولا يمكن للحريري أن يقبله".
وشدّدت على أن "الحريري يتجنّب الوصول الى مواجهة داخل مجلس الوزراء، بينه وبين الرئيس عون، لأنه سيمنع أي أحد من إثارة موضوع ملف أحداث قبرشمون داخل أي جلسة حكومية الآن، من خارج جدول الأعمال. كما أنه يرفض إدراج هذا الملف على جدول أعمال أي جلسة في الوقت الحالي، وفي ظلّ الجوّ القائم في البلد".
ورداً على سؤال حول دور وتأثير الرئيس عون في ضرورة لجم التحركات الفلسطينية في لبنان، والتي لا يجوز أن تبقى على حالها لمدّة طويلة بعد، مستفيدة من "الجمود" السياسي اللبناني، أجابت المصادر: "الفريق الرئاسي مُحرج في هذا الملف. فمن حرّك الإحتجاجات هو "حزب الله" وحركة "حماس" بهدف التصويب على "القوات". ولكن فريق الرئيس عون يتمتّع بعلاقات جيّدة مع محور "الممانعة"، ولذلك، لا نجد الإسناد العوني كبيراً وملموساً بوضوح في موضوع تطبيق القانون اللبناني على العمال الفلسطينيين".
ورأت "أننا لا يُمكن أن نرى أكثر من الدّعم الكلامي للوزير باسيل، في ما يتعلّق بتطبيق القانون اللبناني على الفلسطينيين. فأي خطوة أخرى يُمكنها إدخال الرئيس عون وفريقه في مشكلة حقيقية مع محور "الممانعة"، ولذلك يبقى الصمت قاعدة ذهبية لدى "التيار الوطني" في هذا الملف، إذ لا يُمكنه (التيار) أيضاً أن يتبنّى المصالح الفلسطينية، لِكَوْنها لا تتوافق مع المصلحة اللبنانية أصلاً".
وعن الحلول المطلوبة، لعَدَم "تجميد" لبنان سياسياً على أبواب تصنيفات دولية مُرتقبة وغير مشجّعة في أواخر آب الجاري اعتبرت المصادر أنه "يُفتَرَض بـ "التسوية الرئاسية" أن لا تطمس واقعنا باتّجاه بناء الدولة وحفظ السيادة والتصدّي لمحور "الممانعة"، الذي بات يسبّب المشاكل للبنان حالياً من باب الملف الفلسطيني".
وأضافت:"سنشهد في المرحلة القادمة مزيداً من التلاحم في الخريطة السياسية التي تتشكّل من "الإشتراكي" - "القوات" - "المستقبل" في شكل أساسي، وهذا يبدو أنه بدأ منذ أحداث قبرشمون، كأمر واقع".
وختمت:"نتمنى أن ينقلب المشهد، ونذهب في اتّجاه تصنيف ائتماني جيّد للبنان، ولكن يبدو أن ذلك غير مُتاح. ولكن المستغرب في الأمر هو أن الذين يضعون رأسمالهم في سلّة هذا العهد، يظهرون غير آبهين بشيء سوى بالتركيز على بعض الحسابات السياسية والسلطوية، وبالتشاغُل بالدّستور ومعارك الصلاحيات التي تحتمل الكثير من التأويلات وتستنفد الوقت، وهذا مؤسف بالفعل".