أصبح واضحاً لدى الوسط السياسي أنّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يعمل منذ وصوله الى سدة الرئاسة على ممارسة تطبيق متشدد في ما يتعلق بصلاحيات الرئاسة الأولى. في الجهة المقابلة، ترصد المرجعيات السياسية خطوات الرئيس خوفاً من تقدمه الى «المربع الأحمر». فإلى أين سيصل عون؟ وهل ما نشهده في البرلمان من مناقشات وطرح قوانين جديدة تصب في خانة «خطة المواجهة»؟
وفق المحللين لم يكن طرح رئيس مجلس النواب نبيه بري القانون الجديد للانتخاب سوى «ورقة سياسية مقابل ورقة الرئيس عون «التصحيحية» المتعلقة بالمادة 95، التي بعثها الى بري فأتاه الجواب مباشراً، مستبقاً جلسة السابع عشر من تشرين المخصصة لمناقشة «رسالة عون» بطرح قانون لبنان دائرة واحدة على قاعدة النسبية، إن لم نقل (قانون العدّ)، وفي ذلك حسب المطلعين جواب على عون من بري المتوجّس من تماديه في مطالبته بتطبيق الصلاحيات الرئاسية، ليرتئي بري الرد على الشكل التالي: تريد تطبيق المادة 95 ونريد «بدء العدّ».
إذ إنّ قانون الدائرة الكبرى القائم على النسبية يقوم علانية على المنطق العددي، وبذلك يطرح بري قانونه ليقول لعون اذا كنت تريد مناقشة المادة 95، نحن نريد مناقشة قانون الدائرة الكبرى، وبالتالي من الجدير التوقف اليوم على توقيت طرح القانون الذي يتضح وفق المحللين أنه بمنزلة رسائل سياسية و«نزاع على التوازن السياسي» بين القوى الحاكمة في لبنان، إن لم نقل تحديد التوازنات لمنع الغلبة او الهيمنة...وفي إطار النزاع الدائم القائم بين الرئاسة الاولى والثانية الذي يخبو حيناً ليعود ويظهر أحياناً، وفق العارفين بخفايا المحادثات، هذا هو المناخ الفعلي اليوم من طرح بري القانون الجديد، باختصار التحذير من الاخلال في التوازن السياسي، وليس اكثر.
العوامل الجديدة:
في السياق عوامل جديدة تبرز بعد طرح بري القانون الجديد:
العامل الأول يتمثل بتأييد ضمني من الزعيم الدرزي الذي اشترط في المقابل إنشاء مجلس شيوخ توازياً مع القانون، والطرح مؤشر يؤكد نظرية «التوازن السياسي» الذي من أجله طُرح القانون الجديد، إذ أن وليد بك يعلم أنّ النسبية لم تناسبه في بقعة صغيرة فكيف ستناسبه على صعيد لبنان كله؟ بالاضافة الى انه يؤيد أي ضغط على الرئاسة الاولى يستفيد منه في الحالتين: الاولى بممارسة ضغط على الرئاسة التي تزعج المربّع الآمن لجنبلاط في الجبل وتحدّ من زعامته، وفي الثانية إحداث ضغط لتغيير القانون الحالي مع الأمل في العودة الى القانون الأكثري الذي يناسبه.
أما العامل الثاني اللافت فيتمثل برفض «حزب الله» قانون بري، فوفقاً للمعلومات فإن الحزب لم يقل ذلك صراحة او علانية، بل قالها في المجالس الضيقة، وأوصلها أحد نوابه الى من يعنيه الأمر، كما الى حلفائه من الطرفين المؤيد للقانون والرافض له، أنّ الوقت ليس ملائماً للتغيير أو لتبديل قوانين انتخابية «وروقوا يا شباب».
وعلّق أحد نواب «الحزب» على القانون بالقول «كيف بدنا نفتح هالباب اذا من الـ6 الأساسيات، الاكثرية ما بدن يبحثوا في الموضوع»؟
العامل الثالث والفاصل هو موقف «تيار المستقبل» الذي عبّرت عنه بحزم وزيرة الداخلية ريا الحسن بقولها إنه من الصعب جداً السير بالقانون النسبي الذي طرحه الرئيس بري. الأمر الذي يؤكد ان طرح القانون هو سياسي بامتياز وليس طرحاً قانونياً، إذ رفضه 4 أفرقاء من الـ6 الأساسيين، وهم لا يريدون حتى البحث فيه.
وكان لـ«الجمهورية» حديث مع وزيرة الداخلية فنّدت فيه أبرز النقاط التي تعوق السير بالقانون المطروح، فقالت إنّ تغيير القانون ليس مزحة، ويلغي دور الداخلية، لكنها لفتت الى نقطة إيجابية أنه فتح باباً للنقاش في أي تعديل للقانون الحالي وللبحث في العقبات التي واجهته وواجهتنا خلال تطبيقه، مضيفةً أنّ القانون المطروح يأتي اليوم ليساعدنا على بدء التصحيح أو التعديل في بعض التفاصيل الدقيقة في القانون الحالي، لافتة الى أن النقاش السياسي في أي موضوع يخصّ الأطر التشريعية هو نقاش مهم وضروري ومفيد وأساسي بصرف النظرعن تقسيم الدوائر.
كما أشارت إلى ضرورة البحث في نقاط عدّة قبل إصدار أي قانون جديد للانتخاب، ومنها:
التحليل والتدقيق عن سبب عدم اهتمام المواطن بالذهاب الى أقلام الاقتراع والانتخاب، إذ انّ نسبة المقاطعة كانت مرتفعة ويجب التوقف عندها، بالرغم من أنّ الطبقة السياسية اعتبرت أنها حققت انجازاً كبيراً بالاتفاق على قانون موحد جديد اعتبرته أكثر تمثيلاً للمواطنين.
وتساءلت، هل طرح قانون انتخاب جديد سيوصلنا الى الغاية المنشودة؟ واذا أعدنا النظر في الدوائر الانتخابية هل نستطيع حل المشكلة العضوية المتمثلة بامتناع اكثر من نصف الشعب اللبناني عن الاقتراع؟
وأضافت «لا يمكننا الاستفراد برأي واحد لأن هناك احزاباً سياسية تقدم قوانينها ايضاً...وهناك جهات خارجة عن الاصطفافات السياسية كالمجتمع المدني وهيئة الاشراف على الانتخابات، وهي الادارة المعنية بتنفيذ القانون، هذه الهيئات لديها توصيات، علينا البحث فيها، وعدم غض الطرف عنها، قبل طرح القوانين، لأنّ» الأهم أن يراعي ايُّ قانون عاملين مهمين، وهما: تحفيز الشباب والأفراد وذوي الاحتياجات الخاصة، لحضهم على الانخراط في النظام، وحقهم الرئيسي والدستوري في التصويت والمشاركة في عملية الاقتراع. واشارت الى ان تقسيم الدوائر هو محور من محاور عديدة تتعلق بالقانون الانتخابي، فيما هناك محاور أخرى بالغة الأهمية، إذ من المفيد ان تكون هناك آلية للقانون تسهل لكل فئات المجتمع الانتخاب في المستقبل.
وقالت « إننا حتى الساعة لم نطبّق القانون وحيثياته وما زال علينا إنشاء «الميغاسنتر» والبطاقة «البيومترية» وأمور اخرى بالغة الأهمية»، والوزارة في صدد البحث فيها.
القانون الجديد يلغي دور الداخلية
واقرّت الحسن أنّ المهم في مشروع القانون الجديد أنه ذكر «الكوتا» النسائية، لكنه ألغى دور وزارة الداخلية، وجيّر دورها الى هيئة الاشراف، مؤكدةً أنّ اقصى طموح اللبناني الوصول الى هذا الأمر، ولكن هيئة الاشراف في الوقت الراهن ليست جاهزة بعد أو اقلّه ليس قبل سنة او سنتين لتقوم بمهمات وزارة الداخلية وتشرف على سير عملية الانتخاب بمفردها...
وتوضح الحسن ان الخبرات الكثيرة التي راكمتها وزارة الداخلية لا يمكن تحويلها الى هيئة الاشراف التي هي في الأساس ليس لها هيكلية مؤسساتية حتى اليوم، فيما الوزارة تصبو بالتأكيد الى هذا الامر، ولكن لن يتحقق قبل سنتين.
وتعود لتذكّر بضرورة العمل على استعادة ثقة المواطن الذي يقول اليوم حتى لو مارست حقي الدستوري فإنّ الامر لا يحقق التغيير على الارض، فالأَولى حسب تعبيرها العمل على إقناع المواطن بأنه عنصر فاعل في الوطن ولديه قدرة على التغيير.
وختمت: «هناك قانون حالي «جرّبوه» وناقشوه شهوراً وسنوات، فليس تغيير القانون كل سنة مزحة».
وبالعودة الى موضوع البحث وبحسب المتابعين لتفاصيل المناقشات يبدو انه من الصعوبة وصول القانون المطروح الى الهيئة العامة في مجلس النواب لأسباب عدّة اهمها المواجهة المسيحية الحادة له، يضاف اليها تضامن شيعي مع أحد الافرقاء المسيحيين، وموقف صارم لـ«تيار المستقبل» يفنّد أسباب رفضه الاستراتيجية وغير ذلك من الأسباب الموجبة.
وعليه فإنّ النقاش في القانون المطروح، وفق المصادر نفسها، قد يستمرّ لجلسة واحدة على ان يتلهى الافرقاء بالملفات الطارئة والضاغطة.
تبقى الاشارة الى أنّ من حسناته على حدّ قول وزيرة الداخلية أنه سيجرّ النقاش الى التعديل في القانون الحالي بعدما أيقن الجميع أنّ الامور منتهية بالنسبة لأكثرية الأفرقاء، ولاسيّما المسيحيين، وعلى حدّ قول أحدهما «خلص نحنا والتيار بتّيناها وما حدا يمزح معنا بهالامر»، فيما علق شريكه في القرار بجدية أكثر قائلاً «بِدء العدّ، هذه هي القصة برمّتها، أي العودة الى المربع الاول «بري - عون» وصراع الصلاحيات، فباختصار الأول يبلّغ الى الثاني، «تطرح الـ95 والمناصفة فنطرح نحن «بدء العد».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك