كتبت آمال خليل في "الأخبار":
كادَ إطلاق النار الذي حصل أمس في مخيم عين الحلوة في صيدا، أن يتسبب بوقف تنفيذ خطة انتشار القوّة الأمنية الفلسطينية المشتركة في مجمع مدارس «الأنروا»، وانسحاب المسلحين منها. فجراً، استفاق المخيم على صوت رصاص في سوق الخضار في الشارع الفوقاني، حيث أُصيب فتى في ظهره ورجلٌ آخر بجروحٍ بليغة. في التحقيقات، تبيّن أن «شخصين هدفا من إطلاق النار إلى اغتيال الإسلامي محمود منصور»، بحسب مصدر أمني فلسطيني. ولتطويق تداعيات محاولة الاغتيال على خطة الانتشار والإخلاء التي حُدّدت بعد صلاة الجمعة، سارعت قيادت المخيم و«قوات الأمن الوطني الفلسطيني» إلى العمل على اعتقال المشتبه فيهما. فتمّ توقيف الأول، فيما توارى الآخر عن الأنظار.
وبعد تأخير لساعة عن الموعد المحدّد، بدأ انتشار عناصر القوّة الأمنية قرابة الثانية من بعد الظهر في مجمع المدارس عند حدود حيي التعمير والطوارئ. الاهتمام تركّز على المدارس التي احتلّها «الشباب المسلم». أمام عدسات الإعلام، استعرض أحد قادة التّجمع، هيثم الشعبي. اختار أن يُظهرَ وجهه، فيما تلثّم أغلب مقاتليه، الذين ينادونه بـ«شيخي». بوجهٍ مكشوف، ذو لحيةٍ طويلة، ولكنةٍ صيداوية، حاول أبو مصعب كسرَ الانطباع المسبق عنه. أجاب برحابة صدر على الأسئلة ومنعَ أياً من مقاتليه عن عرقلة تحرّك المُصورّين بين طبقات المدارس وبين الصفوف. أمام المباني الزرقاء والبيضاء التي خردقها الرصاص، بثّ الكثير من أجواء الاطمئنان، مُتعهدّاً بهدنة طويلة. «التقطتم لنا صوراً تكفي لسنتين»، قال الشعبي، متوجهاً للمصورين، فيما كان مقاتلوه يخرجون ذخائرهم من المدارس التي احتلوها منذ انتهاء الجولة الأولى من الاشتباك مع «فتح» في بداية آب الماضي: عبوات يدوية الصنع وقذائف معدّلة موصولة بأسلاك كهربائية وتشريكات... كلّها حملها المقاتلون معهم إلى معاقلهم في الطوارئ والتعمير.
على وقع انسحاب المقاتلين من المدارس، انتشرت في عين الحلوة أنباء عن فرار مطلوبين متهمين باغتيال العميد الفتحاوي أبو أشرف العرموشي. الشعبي و«فتح» نفيا الأمر. لكن مصادر مطلعة أكدت لـ«الأخبار» مغادرة أبو العبد الطرابلسي (لجأ مع شادي المولوي) برفقة الطرابلسي عبد الله شهاب قدور (نجل أبو هريرة الذي قتل في معركة نهر البارد مع «فتح الإسلام») وعثمان التكريتي، إلى سوريا. والشماليون الثلاثة «يحملون الفكر الداعشي ضمن تجمع الشباب المسلم»، واثنان منهم مُتّهمّان باغتيال العرموشي (التكريتي وقدور). ونقل إسلاميون عنهم أنهم سينشرون مقطعاً مصوراً لهم خلال ساعات. وكانت قد قُدّمت اقتراحات من جهات فلسطينية ولبنانية خلال الاشتباكين الأخيرَين بأن تُسهّل مغادرة الإسلاميين المطلوبين، لا سيما من غير أبناء عين الحلوة، لسحب فتيل التوتر، كما جرى سابقاً مع المولوي، الذي أصبح في إدلب.
تطبيق البند الأصعب في اتفاق وقف إطلاق النار أمس، لم يُنهِ ذيول الاشتباكين الأخيرَين. في الشارع الفوقاني، لا تزال «فتح» تحتفظ بعددٍ من الدشم والسواتر تقفل بها الطريق المُتفرِّع نحو البراكسات والمستشفى الحكومي. ومن المنتظر أن تزيل «قوات الأمن الوطني الفلسطيني» السواتر في اليومين المقبلين. أما عن تسليم المطلوبين، فقد ماطل الشعبي في حديثه أمام الإعلاميين. رفض وصف المطلوبين السّبعة الذين اتّهمتهم لجنة التحقيق باغتيال العرموشي بـ«القتلة»، وقال إنهم «مشتبه فيهم. وفي حال ثبت تورط أي منهم، فنحن من سنتخذ إجراءً بحقهم».
الاشتباكات بين «فتح» والإسلاميين لم يدفع ثمنها سوى أهالي عين الحلوة. فـ 60% منهم لا تزال خارج المخيم. بعض العائلات عادت إلى ما تسمى بـ«الأحياء الآمنة»، التي لم يصل إليها القتال في الجولتين الماضيتين، كصفورية والزيب وعرب الغوير. اكتظّت تلك الأحياء بالنازحين الذين فضّلوا الإقامة لدى أقاربهم أو استئجار شقق أرخص من شقق صيدا. وهناك من لم يملك سبيلاً إلى الأحياء الآمنة أو المساكن المستأجرة، لا يزال يقيم في مراكز الإيواء التي افتتحتها «الأونروا» في مدرسة نبالس في صيدا وفي مدرستي سبلين وبيرزيت في إقليم الخروب.
مصدر في حركة «حماس» رفض تحديد مهلة للتعويض على المتضررين. «الأولوية الآن لتثبيت وقف إطلاق النار من خلال تسليم المطلوبين». حتى ذلك الحين، من غير الواضح من هي الجهة التي ستدفع التعويضات. وقد لفت مصدر مطلع إلى تبلغ مديرة «الأونروا» في بيروت دوروثي كلاوس من المانحين رفضهم التبرع بحوالى 15 مليون دولار، لترميم المدارس والبيوت المتضررة، بسبب التخوف من تجدّد المعارك. لذلك، يُرجّح أن تتولى «منظمة التحرير الفلسطينية» التعويض على المتضررين.
كلّ ذلك يجعل مصير العام الدراسي لستة آلاف طالبٍ فلسطيني مجهولاً. فجولة الكاميرات على المدارس التي خرج منها المقاتلون أمس، أظهرت فداحة الأضرار. كوّة تخرق كل جدار في الصفوف والأروقة والأقسام والملاعب، استحدثها المقاتلون للتنقل من غرفة إلى أخرى. البلاط انتُزع في بعض الصفوف، وأسلاك كهربائية ولمبات إنارة سُرقت، كما تجهيزات مكتبية وإدارية. لم يبقَ ما يُذكّر بأن الأبنية المُتضرّرة هي لثماني مدارس، سوى عبارة خُطّت على مداخلها: «من حقّي أن أتعلم، وأن أعيش بسلام».
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك