كتب زياد شبيب في "النهار":
الاختلاف في طبيعة المهام الوظيفية للعسكريين ينعكس اختلافًا في نظامهم الوظيفي عن الوظيفة المدنية، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها التعبئة والجهوزية وغيرها من التدابير، والنظام المسلكي المختلف جذريًا عن النظام المطبّق على الموظفين المدنيين للحفاظ على الانضباط في جهاز تتضمن وسائل عمله استعمال القوة النارية، وهكذا يتضمن سلّم العقوبات التي تُفرض عند المخالفة أنواعًا من حجز الحريّة كالتوقيف الصارم والبسيط الذي يقرّره الرئيس بحقّ المرؤوس فورًا دون الحاجة إلى محاكمة قضائية.
من أهم الأمثلة على خصوصية النظام الوظيفي العسكري ما يتعلق بسنّ التقاعد وهو يتضمّن أحكامًا مختلفة جذريًا عن الوظيفة المدنية تتيح البقاء في الخدمة بعد بلوغ السن القانونية في أوضاع معينة، فقد نصت المادة 55 من قانون الدفاع الوطني على أنه:
"يؤجل تسريح المتطوع ولو بلغ السن القانونية في الحالات التالية:
1-إذا كان في وضع اعتلال لم يُبتّ به، وفي هذه الحالة يبقى بصفته السابقة حتى صدور مقررات اللجنة الصحية.
2-بناء على قرار وزير الدفاع الوطني المبني على اقتراح قائد الجيش في حالات الحرب أو إعلان حالة الطوارىء أو أثناء تكليف الجيش بالمحافظة على الامن."
أثارت هذه المادة نقاشًا قانونيًا على خلفية سياسية، منهم من قال بأنها لا تطبّق على قائد الجيش بل على ذوي الرتب الأدنى فقط لأنه لا يستطيع اقتراح تأجيل تسريحه. وهذا القول في غير محله لأنه يؤدي إلى تعطيل النص ولا يستقيم مع المنهج السليم لتفسير النصوص القانونية، والصحيح أن الاقتراح وهو إجراء جوهري يمكن الاستغناء عنه عندما يكون المعني بالقرار هو نفسه صاحب سلطة الاقتراح وهذا ما طبّقه الاجتهاد في القانون التأديبي. ومنهم من قال بأن حالتي الطوارئ وتكليف الجيش بالحفاظ على الأمن تعلنان بمرسوم وهذا غير متوفّر، وبأن لبنان في حالة هدنة عملًا باتفاقية الهدنة للعام 1949 وهذا يعني أنه ليس في حالة حرب. النص تحدّث عن حالات الحرب دون ذكر ضرورة إعلانها كما في الحالات الأخرى، فالحرب حالة واقعية قائمة، والقول بعكس ذلك يفتح المجال لتفسيرات خطيرة على مستوى العلاقة بالعدو ومقاطعته وتجريم التعامل معه.
يقال أيضًا بأن القرار بتأجيل التسريح يمكن اتخاذه من مجلس الوزراء لأنه يتولى السلطة الإجرائية ومن يستطيع الأكثر يستطيع الأقل qui peut le plus peut le moins، وهذا قول لا يستقيم قانونًا ولا يطبّق على قواعد الاختصاص حيث يعتبر تخطيّ السلطة العليا لصلاحيات السلطة الدنيا خرقًا لقواعد الصلاحية ويجعل القرار مشوبًا بعيب عدم الصلاحية المُبطِل للقرار.
لمجلس الوزراء صلاحية التعيين بناء على اقتراح الوزير ولا يمكنه الحلول محل هذا الأخير في ممارسة صلاحية تأجيل التسريح، كما لا يمكنه التعيين إلا بناء على اقتراح الوزير تحت طائلة الإبطال.
أما خيار إقرار تعديل تشريعي بموجب قانون من #مجلس النواب فيصطدم بنص المادة 75 من الدستور الواضح:
"إن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالًا في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أو أي عمل آخر."
يُقال بأن هذه المادة تمنع التشريع أثناء التئام المجلس فقط، وللمجلس ممارسة ما يسمّى "تشريع الضرورة"... وهذا يُخالف المادة 74 التي تنص على أنه:
"إذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس او استقالته او سبب آخر فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فورًا بحكم القانون..."
المجلس ملتئم دستوريًا لانتخاب الرئيس وإن كان النواب لا يحضرون إلى القاعة، فالعبرة لنص الدستور وليس للواقع.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك