لا يغادر الرئيس سعد الحريري السرايا الحكومية، بل يبقى فيها رئيساً مكلفاً تشكيل حكومته الثالثة، لكنه يكرس بها مغادرته موقعه الذي أطل منه للمرة الأولى، وحيداً من دون حلفاء أو فريقه التقليدي.
يعود الرئيس سعد الحريري مرة ثالثة مكلفاً تأليف الحكومة، مكرساً مغادرته الموقع الذي أتى به للمرة الأولى رئيساً للحكومة. وهو يأتي هذه المرة، من دون عدة العمل التي رافقته منذ أن كلف للمرة الأولى تأليف الحكومة بعد الانتخابات النيابية عام 2009. على طريق التأليف عام 2009، بعدما اعتذر مرة أولى ثم كلف مجدداً في العام نفسه تشكيل حكومته الأولى، والاستقالة أو الإقالة الأولى، والتكليف الثاني والاستقالة - الإقالة - الثانية من السعودية والعودة عنها، والتكليف الثالث بالأمس، تبدلت المعطيات السياسية. تغير الرجل والفريق السياسي اللصيق كالرئيس فؤاد السنيورة، وحديثاً نادر الحريري، ومجموعة الوجوه النيابية والوزارية التي كانت تقف معه منذ تشكيل 14 آذار، وحتى الشخصيات التي كان يلتقي معها على طاولة تيار المستقبل.
لم يبدل فريق سياسي شخصياته ووجوهه كما غيّر سعد الحريري، على عكس ما فعل الحريري الأب طوال سنوات ممارسته السياسة. ولم ينقلب طرف سياسي على نفسه وعلى محيطه كما انقلب الحريري الابن، شكلاً ومضموناً. وها هو اليوم يبقى في السرايا الحكومية رئيساً لحكومة تصريف الأعمال ومكلفاً مرة ثالثة تأليف حكومة، يفترض أن تكون وطنية جامعة، على رغم أنها ستختلف بكل المعايير عن حكومته الأولى لأنها تنبثق من مجلس نيابي أكثريته من قوى 8 آذار وحلفائها.
سيحاول الحريري إيجاد صيغة توازن بين متطلبات الداخل وضغوط الخارج. ففي الداخل، سيكون مثقلاً بتوازنات ومطالب ومطبات، هو الساعي إلى حكومة سريعة تحت ضغط التطورات الإقليمية. إذ إنه يدخل إلى مشاورات التأليف وأمامه جزء من التشكيلة، جاهز لدى حزب الله وحركة أمل، بالأسماء والحقائب، وجزء بات مسيّراً فيه لا مخيّراً، أي فريق رئيس الجمهورية الوزاري. ولا يمكن أي طرف سياسي أن يصدق أن ما كان يرفضه فريق رئيس الجمهورية في تشكيل الحكومات السابقة، قبل الوصول إلى بعبدا، سيقبل به اليوم، خصوصاً حين يتخطى هذا الفريق اعتبارات طالما نادى بها كفصل النيابة عن الوزارة. كما لا يمكن الاقتناع أن الحريري قادر على تجاوز هذا الفريق، وقد بات أسيراً له بعد التسوية الحكومية. ماذا يتبقى للحريري كي يفاوض على الحقائب؟ يتبقى له كتلتان مسيحيتان هما القوات وتيار المردة، وكتلة اللقاء الديموقراطي وأحزاب وشخصيات تدور في فلك قوى 8 آذار التي أعادت تعويم نفسها بعد الانتخابات، وشخصيات سنية لا تقاربه سياسياً.
وفي التعامل مع هذه القوى مطبات كثيرة، لأن تلبية شروطها لا يرتبط بالداخل فحسب بل بالخارج أيضاً. فأن يقف الحريري اليوم، بلا حلفاء عام 2009 لا ينطبق على حالة القوات اللبنانية التي تفرض على الرئيس المكلف واقعاً لم يختبره سابقاً. وهذا أول تحد مفروض على الحريري، وليس تعايشه مع حزب الله في ضوء العقوبات الأميركية. وتعزيز الحريري موقع القوات يعني أنه سيلبي شرطاً سعودياً، لأن رجل السعودية الأول في لبنان أصبح جعجع، كما يقول أحد السياسيين، وليس الحريري. لكن أن يعطيها حصة أكبر من حصتها الحالية، إضافة إلى نوعية الحقائب وأهميتها، فهذا يعني أنه يعترف بتقدم شرعية تمثيلها النيابي في مجتمعها في شكل واضح لا لبس فيه، وأنه سيصطدم بتكتل رئيس الجمهورية الساعي إلى تحجيم القوات لأسباب باتت معروفة. ولا تبدو القوات أنها في وارد أن تُحرج لتخرج من الحكومة، مهما بلغت الضغوط عليها. علماً أن تحويل القوات إلى المعارضة من خارج الحكومة، في هذه المرحلة الحساسة إقليمياً والضغوط الدولية، لن يكون في مصلحة العهد والحكومة معاً.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك