«عندما يستعيد اليائسون بعضاً من الأمل، هؤلاء الذين في السلطة - الذين أخذوه منهم - يصبحون أكثرَ خوفاً وأكثرَ حرصاً على مصالحهم المهدّدة، أكثرَ قمعاً» (د.ازار نفيسي).
علي عبدالله صالح، كان يحلو له القول إنّ حكم اليمن هو أشبه «بالرقص فوق رؤوس الأفاعي» هو طبعاً لم يوضح مَن هم الأفاعي، ولكن مِن المعلوم أنّ في اليمن عشائر واحزاب وطوائف متعددة وكلها لها رؤساء والارجح انه كان يقصد هؤلاء. الرقص هذا، يتطلب حنكةً ودهاءً واكثر مِن ذلك يتطلب شجاعة. وقد انتهى به الأمر قتيلاً على المسرح الذي طالما أجاد الرقص عليه.
لبنان هو اكثر بكثير تعدديةً مِن اليمن عشائرياً وحزبياً وطائفياً. وما مِن احد مِن رؤساء هذه المجموعات تمكّن مِن حُكم لبنان مثلما حَكم علي عبد الله صالح اليمن الموحَّد طوال 22 عاماًَ وقبلها جمهورية اليمن العربية (شمال اليمن) لمدة 12 عاماً.
إلّا أنّ ما فشلوا فيه إفرادياً، تمكّنوا من القيام به بشكل جماعي رغم تضارب المصالح بينهم، وابتدعوا نظاماً للحكم غيرَ مسبوق في التاريخ، سمّوه «توافقياً»، (على ماذا يتوافقون) والأخطر من ذلك انهم أرادوا إقناع الناس أن ليس من طريقة اخرى لحكم هذا البلد «التعددي».
جميع بلدان العالم فيها تعددية إتنية ودينية وحزبية الخ... ولكن مَن نجح منها تبنّى دستوراً واحترمه مهما كان هذا الدستور ومهما كانت طبيعة الحكم: من اميركا الفدرالية الى الصين وسيطرة الحزب الواحد الى روسيا والنيو ديكتاتورية الى ايران التيوقراطية...
لبنان البلد الوحيد الحكم فيه «توافقي»، وهو قد فشل ويفشل في كل شيء. ومع ذلك، فقد فرض اهل السياسة انفسَهم كقدر لا مفرّ منه وإنّ البلد لا يُحكم بدونهم وصار التغييرُ مستحيلاً. شيئاً فشيئاً تمكّن الزعماء من إرساء الفكرة في عقول اللبنانيين انّ الثورة ضد الواقع لا تنفع وانّ الكلام عن التغيير ليس سوى مجرد ترَف فكري عند المثقفين وهيجان لا افق له عند غير المثقفين.
الثورة الشعبية الوحيدة التي نجحت في لبنان هي ثورة 14 آذار لأنه كان لها شعار واحد هو خروج الجيش السوري من لبنان. نجحت رغم تعدّد قادتها، لأنّ لها فكراً واحداً ضبط نبض الناس ما اضطر القادة الى اللحاق بالشعب وركوب الموجة ربما غصباً عن العديد منهم.
ما يحصل اليوم لا بل منذ ثلاث سنوات من نزول الى الشارع لم ولن يوصل الى نتيجة، ليس بسبب تعدّد الداعين الى هذه التحركات، بل لانه لا هدف واحداً واضحاً لها، فالشعارات متعددة والاتهامات كثيرة ولكن المتّهَم يبقى مجهولاً، إذ لا يكفي مثلاً الكلام عن الفساد، فالفساد لا يمكن محاكمته وسجنه.
بل الفاسد نفسُه لا سيما وأن ليس كل مَن يتعاطى الشأن العام هو فاسد. لقد أضاع الناس لا سيما قادة الحراك المدني فرصة التغيير في الانتخابات النيابية الاخيرة. كم من الذين يكتبون ويتكلمون ضد ما يسمّونه «الطبقة السياسية» عادوا والتحقوا بلوائح هذه السلطة كي يضمنوا وصولهم الى البرلمان.
ألم يكن مِن الأجدى أن يتفقوا فيما بينهم على شعارات موحّدة ويخوضوا الانتخابات على اساسها. لقد اعطى قانون النسبية فرصة تاريخية لناشطي المجتمع المدني كي يُحدثوا تغييراً في «الطبقة السياسية»، ولكن بدلاً من ذلك فقد رأينا كيف أنّ هذه الطبقة اعادت نفسها، بل إنّ مَن كان منها خارج السلطة قد عاد اليها مشكِّلاً حالة سياسية يستحيل الالتفاف عليها. لقد تمكّن السياسيون بدهائهم العظيم من السيطرة مجدّداً على مفاتيح السلطة وأخضعوا الناس لمشيئتهم.
البلاد اليوم تقف على حافة واد سحيق والناس في ضياع. غير صحيح أنّ القادة يعبؤون لشؤونهم لأنّ هؤلاء يعيشون فوق الناس وليس معهم. فالميزات التي يخصّصونها لأنفسهم معنوياً ومادياً تُثبت أنهم يَعتبرون انفسهم فوق سائر العباد.
هؤلاء القادة لا يمكنهم أن يُصلحوا الامور، ففي إصلاح الامور نهاية لقيادتهم. وهم لن يتركوا الناس تثور فهم يملكون ما يكفي من الحنكة والدهاء لإفشال أيّ تحرك في الشارع، وهم في ذلك متفقون في ما بينهم. هل من طريق للخلاص؟
لستُ ادري لا سيما انني لا اؤمن بالتنجيم، ولكن جلّ ما ابتغيه من الذين هم فوقنا الآن أن يسيروا على رؤوسنا برفق وأن يتوقفوا عن رقص الدبكة عليها وأياديهم مشبوكة ببعضها البعض.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك