من قصر بعبدا بالذات، حيث تنعقد اليوم جلسة مجلس الوزراء لاقرار مشروع موازنة العام 2019، يحرص حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على بعث رسائله التطمينية للبنانيين والعالم. على رغم شدة الازمات وفداحة الاضرار التي لحقت بالاقتصاد في الاعوام الاخيرة، مهددة بالانهيار والكوارث واستعادة التجربة اليونانية، لم يخرج الحاكم مرة من اجتماعاته الدورية مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، الا بالايجابيات وضخ الاجواء التفاؤلية التي يصرّ على انها عنصر اساسي في الاستقرار وجذب الاستثمارات.
لا يعيش الحاكم في عالم آخر، وليس في وارد "التحايل" على اللبنانيين اوايهامهم بأن ما يقوله شيء والواقع شيء آخر. هو اكثر من يدرك الحقيقة ويعلم ببواطن الامور وخباياها، وهو الذي لطالما تلقف الخضات السياسية وأمسك بيده مرارا كرات نارها الحارقة، فنأى بالقطاع المالي عنها، وجنّبه شظاياها القاتلة احيانا كثيرة. لم ينفك يحذر السياسيين من التمادي في التلاعب بالاستقرار، فهندس سياسة مالية واجه بها الاخفاق السياسي.
من قصر بعبدا قال اليوم كلمته، بعدما اكد استقرار الليرة والسوق المصرفي، "التركيز على احترام القوانين اللبنانية والقواعد المالية العالمية التي لا تسمح بأي مبادرة الزامية على المصارف، وتترك مثل هذه الامور في الحدود القانونية". الرسالة وصلت ورئيس الجمهورية تفهمها، كما قال سلامة، ونقلها حكما الى جلسة مجلس الوزراء للتصرف بهديها.
تشرح مصادر مصرفية عليمة لـ"المركزية" هذه النقطة بالقول، ان لا دولة في العالم تلزم المصارف بأي تعهد تجاهها، فالقوانين المرعية الاجراء في القطاع المصرفي العالمي وحدها الحُكمُ والحَكَم. وتشير في السياق الى ان المصارف في لبنان ترفد خزينة الدولة بمليارات الدولارات سنويا، ان من خلال الضرائب والرسوم التي بلغت نسبتها في العام 2018 ما يفوق المليارين و800 مليون دولار، او من خلال تسليف المصرف المركزي الخزينة مبالغ بفوائد جد متدنية بنسبة صفر او واحد في المئة حيث وفّرت عليها العام المنصرم ايضا ما يناهز المليارين و800 مليون دولار او حتى عبر شراء سندات الاوروبوند. وتوضح ان رغم كل التقديمات المشار اليها وابداء كل استعداد لمواكبة الجهود المبذولة لخفض نسبة العجز، لا يزال البعض يصوّب على القطاع ويتهمه بنهب المال العام وافقار الدولة، لا لسبب سوى لغايات سياسية باتت مراميها شديدة الوضوح وماثلة للعيان.
وفي معرض اضاءتها على الدور المميز للقطاع المصرفي اللبناني الذي نال على اساس هندسته المالية الحاكم سلامة سلسلة جوائز عالمية، تقول المصادر ان لبنان يكاد يكون البلد الوحيد الذي يمكن للمواطن ان يسحب من الصراف الآلي اموالا بالدولار ببطاقته الائتمانية، خلافا لكل الدول التي تحصر عمليات السحب بعملة البلد لا غير. وهذه ميزة من شأنها ان تجذب المستثمرين برغم كل الظروف الصعبة التي تمر بها البلاد التي لا زالت
تتمتع بملاءة مالية وبوفر من الدولارات، كما ان بعض المتمولين يودعون في لبنان اموالا للافادة من الفائدة العالية التي تمنحها المصارف حتى ان بعضهم يعمد حتى اللحظة الى سحب امواله من مصارف في الخارج ويودعها في لبنان للافادة من تقديماته المصرفية المميزة.
وفي اشارة الى الخطط "الذكية" التي يعتمدها حاكم مصرف لبنان، تكشف المصادر ان التدبير الذي اتخذه ليل الاحد في 12 الجاري، حينما ارسل الموظفين ليلا الى المصرف المركزي، في خطوة استباقية لاقفال العسكريين المتقاعدين كل المنافذ المؤدية الى داخل المصرف المركزي منذ الفجر لمنعه من تسيير العمل فيه، في مجال الضغط على الحكومة، فرسم خطة وصفتها بالـ"بوليسية" فاجأت هؤلاء، وتمكنت الادارة، على رغم الحصار، من تأمين النقد للمصارف وتسيير عمل المقاصة والبورصة في شكل طبيعي.
واشارت الى ان سلامة الذي اجرى اتصالات بالمسؤولين عن الاعتصام ومن يقف خلفهم، ابلغ المعتصمين ان اعتصامهم امام "المركزي" يشكل دعسة ناقصة سترتد سلبا عليهم، فاقتنعوا وغادروا. مبادرة سلامة هذه التي جنبت البلاد مزيدا من الاهتزاز جراء محاولة اللعب بالورقة المالية، كانت موضع ثناء من كبار المسؤولين في الدولة، وفي مقدمهم الرئيس سعد الحريري، وقد بلغت اصداؤها الكثير من الجهات الدولية المهتمة بلبنان واستقراره الامني والنقدي واضافت نقطة الى سجل انجازاته في ادارة القطاع المالي في لبنان.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك