كتب خليل الهراوي في "النهار":
كثر الكلام في الآونة الاخيرة عن واقع الثورة، منهم مَن أكد استمراريتها، فيما تحدث آخرون عن تباطئها أو عن فشلها. إلا اننا إذا اردنا ان نقوّم واقع الثورة، علينا بادئ ذي بدء ان نحدد تعريف الثورة اللبنانية.
في 17 تشرين الاول 2019 انتفض اللبنانيون ونزلوا الى الشارع ليعبّروا عن استيائهم ورفضهم لاداء المسؤولين وفسادهم الذي اوصل البلد والناس الى هذه الحالة الميؤوس منها ماليا واقتصاديا ومعيشيا، وشعروا أن لبنان بات يتخبط في مستنقع من التخلف على كل المستويات بعدما كان البلد المُشرِق في هذا الشرق الاوسط القاتم.
لكن سرعان ما تحولت الانتفاضة من رفض الناس لاداء السلطة القائمة الى تحديد للمبادئ والأسس التي يريدونها اطاراً لعمل السلطة والمسؤولين فأصبحت الانتفاضة ثورة.
وهذه الثورة التي رفعت علماً واحداً هو العلم اللبناني وطالبت باحترام الدستور والقوانين والمؤسسات وبإسقاط المحاصصة المذهبية والحزبية ومحاربة الفساد، والتي آمنت بقضاء مستقل قادر على محاسبة الفاسدين، سياسيين كانوا ام موظفين ام رجال اعمال، واسترجاع اموالهم الى الخزينة، والتي اعتبرت ان الجيش والقوى الامنية جزء منها، وأعطت لعيد الاستقلال معناه الحقيقي جسدته بروح وطنية جامعة، ما جعل الشباب يتمسكون ببقائهم في وطنهم والمغتربين بالعودة اليه. هذه الثورة الوطنية العابرة للطوائف والمناطق سرعان ما التحق بها الناس ونزلوا الى الساحات لمناصرتها، اي مناصرة مبادئها وافكارها ومطالبتها بنهج جديد للحكم. هذه الثورة طبعا انتصرت ففرضت نفسها على المسؤولين بقوة مبادئها وافكارها، فباتوا رؤساء ووزراء ونوابا وقضاة، يتكلمون لغتها ويعملون بموجب ملاحظاتها. حتى ان حكومات الدول الصديقة تبنت طروحاتها وطالبت بتطبيقها.
هذه الثورة التي اصبحت في ضمير كل اللبنانيين، فمنهم مَن ناصرها في الشارع، ومنهم مَن لزم المنزل مؤيداً لها، ومنهم مَن ناصرها حتى من داخل حزبه. طبعا هي انتصرت بإرادتها ارساء اسس لبنان الجديد من خلال تحرير السلطة من المصالح الخاصة واكمال تطبيق اتفاق الطائف خصوصا لجهة الغاء الطائفية السياسية وانشاء اللامركزية الادارية الموسعة وتحقيق استقلالية القضاء وتطبيق الانماء المتوازن، وهي على دراية ان الغاء الطائفية السياسية يجب ألا يوصلنا الى هيمنة طائفة ما على لبنان، كما تنفيذ اللامركزية يجب ألا يؤدي الى اي شكل من اشكال التقسيم، والانماء المتوازن يجب ألا يقتصر على البنية التحتية فقط، بل عليه ان يشمل تنمية اقتصاد المناطق كل منها بحسب خصوصيتها.
من اجل ذلك على الثورة ان تقوم بجهد كبير، فتكمل مسيرتها بتكوين احزاب وطنية لا طائفية تضم شبابا من كل المشارب، فتكسر احتكار تمثيل الطوائف بالاحزاب الموجودة المتربعة على السلطة والقابضة على الدولة وسياساتها باسم المذاهب، والتي لن تسلّم بسهولة مشاركة قوى جديدة في سلطتها. فإن اراد شباب الثورة ان تكون للبنان سياسة دولة لا سياسة مذاهب، وان تتأمن مصلحة "المواطن" لا مصلحة ذاك المواطن، فعليهم ان يحرروا المجتمع اللبناني من انتمائه الحزبي الحالي، من خلال العمل على اقامة بنية تحتية اجتماعية سياسية تكون ركيزة داعمة ومناصرة لأحزابهم الوطنية في الانتخابات المقبلة، والا فما معنى المطالبة بانتخابات مبكرة اذا كانت قوى الثورة غير جاهزة تنظيميا وشعبيا لخوضها؟
فاذا اكدنا ان الثورة انتصرت بطروحاتها، الا ان انتصارها الفعلي والعملي لن يكون بفرض انتخابات مبكرة، بل بكسب تأييد الناس في هذه الانتخابات وصولاً الى السلطة فيجسّدون الجمهورية الجديدة.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك