من سريلانكا المفجوعة بشهدائها الأبرار، شهداء الحريّة الدينيّة، رسائل الى كل الكَون.
لم يكن قد جفّ بعد حبر وثيقة الأخوّة الإنسانيّة حتى أتتها مقتلتان في نيوزيلندا فسريلانكا. حِلف المتطرّفين ينتصر. وهي أوروبا في المقبِل من الأسابيع ذاهبةٌ الى انتخابات سيسقط فيها على ما يبدو ما تبقّى من أشلاءٍ لليسار، وسينتهي على الأرجح بعض ما صمد من يمينِ الوسط، وستبرُز أحلافٌ من يمينين، بينهم من لم نكُن نتوقّع يوماً أن يواكب هذه الموجة ببراغماتيّةٍ مبادِرة للحفاظ على موقِع هو فيه، أو بلوغِ آخر مُرتجى.
في قلب أوروبا كان حريق التحفة اللاهوتيّة الحيّة، والروعة الهندسية في الروح الذي يجول بحناياها المكتنِزة هموماً وتطلّعات بذاكرةٍ خصبة، في قلب أوروبا كان حريق نوتردام دو باري يُربك العلمانييّن، ويوقظ في المؤمنين المتديّنين جُذوة للعودة الى الجذور.
كلّ المشهدية التي ذكرنا مأزقية في نَسَقِ ما سيؤول حالنا إليه من تحدّي إدارة التعدّدية. هناك في نيوزيلندا وسريلانكا وأوروبا ثمّة أنظمةٌ ثابتة المعايير قادرةٌ على الذهاب في عمق البحث عن مخارج للمآزق. فماذا عمّا ينتظرنا في الشرق الأوسط حيث الفوالق الصراعيّة استجلبت فيالق العالم أجمع، فمتى تتحرّك هذه الأخيرة واستطراداً معها الأولى؟
المؤشّرات تشِي بتصدّعاتٍ موجعة. منسوب تقاطع المصالح المتناقضة بين مواقع النفوذ في الشرق الأوسط، قد يعتقد فيه البعض مؤشّراً لستاتيكو دوّامة عضّ الأصابع، ومن يصبُر الى المنتهى فذاك يتمتّع بأفضليّة البقاء، وممارسة بهارِج التسلّط بالموارد الطبيعيّة والبشرية التي تحفَل بها جغرافيّتنا. لكن هذا الستاتيكو ذات الآفاق المسدودة، ليس فقط بالحيّز السياسي والعسكري، بل حتى الاقتصادي - الاجتماعي، والمالي - الثرواتي، يحمِل في طيّاته أيضاً إمكان تفجّر مفاجئ. ليس صحيحاً دوماً أن حِلف الفيالق المتطرّفة قادرٌ على إخماد فوالق هامدة بتكتيكات في فِعل العمليّات الموضعيّة.
الشرق الأوسط المستمِرّة فلسطين فيه مغتصبة، وسوريا مسلوبة الحريّة الإراديّة، ولبنان منتهياً بالشكل القديم الذي كان فيه، واسرائيل متغطرِسةً بأبعادٍ امبراطورية، وإيران موهومةٍ بتموضعٍ عابرٍ للحدود بتشكّلاتٍ دينوغرافيّة، والعراق الباحث عن لملمة لتشظّيات كادت تغتاله، والأردن الصامد بوجه محاولات اختراقٍ مشبوهة، وتركيا المترجرجة الساعية الى فرض نموذجٍ عثماني متجدّد، هذا الشرق الأوسط المصلوب على جلجلة التلاقي / التنافر الأميركي - الروسي، لا يظهَر قادراً على الانسياق لمناعة تفادي زلزلةٍ هادرة. حلفُ الفيالق المتطرّفة قد يفقِد في هنيهةٍ النواة الرماديّة شبه الموجودة بعدُ في عقلانيّته المشبوهة. ليس بعدُ من إمكان تَنَسُّم ما نعني بالاعتدال.
الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الأوروبي، وعلى الرغم من الشلل الذي ينتاب مفاصل وضعيتهم في التدخّل لمعالجة مسبّبات ما آلت إليه أوضاع فلسطين وسوريا خصوصاً، دون تناسي الاشتعالات هنا وثمة، لا بُدّ لكلٍ منهم من اطلاق ديناميّة ديبلوماسيّة هادفة، إذ إن حلف المتطرّفين لو نجح في إثبات موقعه هذه المرّة بالكامل، لن ينجو أيٌّ من الاعتدال، بل سنجد أولئك المتبقّين من المعتدلين مُرغمين على الدخول في سياقاتٍ قاتلة بحجّة عقلنة من اختاروا جنوناً دموياً.
غــــــــرد تــــــــعــــــــــــلــــــــيــــــــقــــــــك