أمين عبد الكريم
كتب المحامي أمين عبد الكريم:
بين الفترة والأخرى، يستيقظ اللبنانيّون على حملة أو حملات تستهدف قطاعاً معيّناً أو مهنة معيّنة أو مؤسسة من مؤسسات الدولة، ما يحملهم للحظة الى الاعتقاد انهم في دولة تفرض هيبتها كما ولو أنّ القانون لا يعلو عليه. غير ان سرعان ما يتبيّن لهم ان ما يشاهدونه ليس سوى مشهد من مسلسل بعنوان "فشة خلق"، أو مسرحية لا تتطلب الكثير من الوقت لاكتشاف فشل كاتبها كما ممثليها، مهما كان انتماؤهم.
وفي جوجلة سريعة على بعض المشاهد والمسرحيات المضحكة المبكية التي مرت على لبنان في السنوات الماضية حتى الأمس القريب، فإنّ من ابرز هذه الموجات كانت موجة ضبط معامل المواد الغذائيّة من ألبان وأجبان ولحوم وغيرها من المواد. وأكثر ما كنّا نسمعه في تلك الفترة هي عبارة "مستوفية للشروط أو غير مستوفية للشروط". انتهت الحملة، وعاد الفلتان بعد أن حقّق البعض أرباحاً مادية نتيجة "التزبيطات". وقد شعرَ اللبنانيّون وقتذاك أنّ تلك الحملة استهدفَت مناطق معيّنة واستثنت مناطق أخرى. فهل أصبحت كل تلك المصانع والمعامل تستوفي الشروط الصحية؟
بعدها، جاءت موجة جديدة سمّيت بـ "ملف الفساد القضائي". ملف أوقِفَ فيه عدد محدود من السماسرة ومن القضاة المتهمين بتلقّي رشاوى وهدايا لقاء تخليص وتسهيل بعض الملفات. وأيضاَ تدخلت السياسة هنا، فبعض القضاة تمّ الفصل بملفاتهم على وجه السرعة وطردوا من السلك القضائي بشكل نهائي، والبعض الآخر تم استئخار ملفاتهم لحين "ذهاب الموجة"، ربما لتسوية أوضاعهم لاحقاً وإعادتهم الى إصدار أحكام باسم الشعب اللبناني.
تزامن ملف الفساد القضائي مع حملة أخرى، أطلِقَ عليها اسم "ملف الضبّاط". ملف أيضاً أوقِفَ فيه عددٌ محدود من الضبّاط ورتباء التحقيق والسماسرة.
مضى أكثر من ثلاث سنوات على هذه الملفات، ولم نعد نسمع بعدها لا بتوقيفات ولا بملاحقات، ربما لأنّ الفساد استؤصِل ولم يعد هناك من فاسدين.
مع بداية العام 2020، ومع تدهور سعر صرف الليرة أمام الدولار الأميركي، بدأت موجة مكافحة ومحاربة الصرّافين الشرعيّين وغير الشرعيين والمضاربين والمتاجرين بالدولار. وكما العادة، اوقفَ القضاء عددٌ من صغار الصرّافين والمضاربين، وغضّ النظر عن الأشخاص المؤثرين والمضاربين الكبار المحميّين من الأحزاب والمرجعيّات السياسيّة، وأغلبهم من لون سياسي واحد. ولكن، لاحظنا أخيراً أن القضاء والأجهزة الأمنية لم تَعُد تعير أهمية كبيرة لهذه التجارة والمضاربات، بل أصبحَ "الكلّ" أي "كلن يعني كلّن" من موظفين رسميّين وغيرهم يقصدون المصارف وينتظرون لساعات طويلة في الصفوف ليأخذوا الدولارات "الكاش" من البنوك ليستفيدوا من التعميم الأخير لحاكم مصرف لبنان ليذهبوا بعدها ويبيعوا الدولارات في السوق السوداء، الا أن عبارة السوق السوداء لم تَعُد تناسب المرحلة مع خفت صوت الموجة، فجرى استبدالها بعبارة ألطَف اسمها "السوق الموازية".
حملات لا تعد ولا تحصى، أوقِفَت هدى سلوم، لأشهرٍ عدّة، ثم عادت هدى سلوم الى مركز عملها كالمعتاد. اوقِفَت اورور فغالي مدير عام النفط في وزارة الطاقة، ومن ثم أخليَ سبيلها لتتمّ ترقيتها الى مركز المديرة العامة لمنشآت النفط في وزارة الطاقة.
موجات عدّة شهدها لبنان أتينا على ذكرها أعلاه، وكانت آخرها أزمة المحروقات والأدوية، فبدأ العمل باشارة القضاء والنيابات العامة وتمّت مصادرة عدد كبير من الأدوية والمحروقات "عن أبو جنب"، لكن ضمن ضوابط معيّنة اسمها "المناطق والمحسوبيات". المستغرب في هذه الموجة كانت مصادرة وبيع المواد المضبوطة فوراً، وقبل صدور أحكام نهائيّة أو مبرمة من قبل قضاة الحكم، حتى لو اقتضى الأمر مخالفة القانون.
وهنا يسأل اللبنانيّون، هل فعلاً الدولة حاضرة وتحارب الفساد؟ أم أنّ القضاء والأمن والحملات يعملون بناءً على طلب فئة من هنا أو فريق من هناك، ويُسخّرون ويُستغلّون استنسابيّاً للنيل من فريقٍ سياسيٍّ معيّن أو منطقة معينة أو طائفة معيّنة؟
متى سيستيقظ اللبنانيّون ليروا أنّ الحملات في لبنان ليست موجات وفورات مؤقتة، بل ممارسة الدولة لسلطتها ولبسط هيبتها على أراضيها من دون تمييز بين ابناء الوطن الواحد؟
بين الفترة والأخرى، يستيقظ اللبنانيّون على حملة أو حملات تستهدف قطاعاً معيّناً أو مهنة معيّنة أو مؤسسة من مؤسسات الدولة، ما يحملهم للحظة الى الاعتقاد انهم في دولة تفرض هيبتها كما ولو أنّ القانون لا يعلو عليه. غير ان سرعان ما يتبيّن لهم ان ما يشاهدونه ليس سوى مشهد من مسلسل بعنوان "فشة خلق"، أو مسرحية لا تتطلب الكثير من الوقت لاكتشاف فشل كاتبها كما ممثليها، مهما كان انتماؤهم.
وفي جوجلة سريعة على بعض المشاهد والمسرحيات المضحكة المبكية التي مرت على لبنان في السنوات الماضية حتى الأمس القريب، فإنّ من ابرز هذه الموجات كانت موجة ضبط معامل المواد الغذائيّة من ألبان وأجبان ولحوم وغيرها من المواد. وأكثر ما كنّا نسمعه في تلك الفترة هي عبارة "مستوفية للشروط أو غير مستوفية للشروط". انتهت الحملة، وعاد الفلتان بعد أن حقّق البعض أرباحاً مادية نتيجة "التزبيطات". وقد شعرَ اللبنانيّون وقتذاك أنّ تلك الحملة استهدفَت مناطق معيّنة واستثنت مناطق أخرى. فهل أصبحت كل تلك المصانع والمعامل تستوفي الشروط الصحية؟
بعدها، جاءت موجة جديدة سمّيت بـ "ملف الفساد القضائي". ملف أوقِفَ فيه عدد محدود من السماسرة ومن القضاة المتهمين بتلقّي رشاوى وهدايا لقاء تخليص وتسهيل بعض الملفات. وأيضاَ تدخلت السياسة هنا، فبعض القضاة تمّ الفصل بملفاتهم على وجه السرعة وطردوا من السلك القضائي بشكل نهائي، والبعض الآخر تم استئخار ملفاتهم لحين "ذهاب الموجة"، ربما لتسوية أوضاعهم لاحقاً وإعادتهم الى إصدار أحكام باسم الشعب اللبناني.
تزامن ملف الفساد القضائي مع حملة أخرى، أطلِقَ عليها اسم "ملف الضبّاط". ملف أيضاً أوقِفَ فيه عددٌ محدود من الضبّاط ورتباء التحقيق والسماسرة.
مضى أكثر من ثلاث سنوات على هذه الملفات، ولم نعد نسمع بعدها لا بتوقيفات ولا بملاحقات، ربما لأنّ الفساد استؤصِل ولم يعد هناك من فاسدين.
مع بداية العام 2020، ومع تدهور سعر صرف الليرة أمام الدولار الأميركي، بدأت موجة مكافحة ومحاربة الصرّافين الشرعيّين وغير الشرعيين والمضاربين والمتاجرين بالدولار. وكما العادة، اوقفَ القضاء عددٌ من صغار الصرّافين والمضاربين، وغضّ النظر عن الأشخاص المؤثرين والمضاربين الكبار المحميّين من الأحزاب والمرجعيّات السياسيّة، وأغلبهم من لون سياسي واحد. ولكن، لاحظنا أخيراً أن القضاء والأجهزة الأمنية لم تَعُد تعير أهمية كبيرة لهذه التجارة والمضاربات، بل أصبحَ "الكلّ" أي "كلن يعني كلّن" من موظفين رسميّين وغيرهم يقصدون المصارف وينتظرون لساعات طويلة في الصفوف ليأخذوا الدولارات "الكاش" من البنوك ليستفيدوا من التعميم الأخير لحاكم مصرف لبنان ليذهبوا بعدها ويبيعوا الدولارات في السوق السوداء، الا أن عبارة السوق السوداء لم تَعُد تناسب المرحلة مع خفت صوت الموجة، فجرى استبدالها بعبارة ألطَف اسمها "السوق الموازية".
حملات لا تعد ولا تحصى، أوقِفَت هدى سلوم، لأشهرٍ عدّة، ثم عادت هدى سلوم الى مركز عملها كالمعتاد. اوقِفَت اورور فغالي مدير عام النفط في وزارة الطاقة، ومن ثم أخليَ سبيلها لتتمّ ترقيتها الى مركز المديرة العامة لمنشآت النفط في وزارة الطاقة.
موجات عدّة شهدها لبنان أتينا على ذكرها أعلاه، وكانت آخرها أزمة المحروقات والأدوية، فبدأ العمل باشارة القضاء والنيابات العامة وتمّت مصادرة عدد كبير من الأدوية والمحروقات "عن أبو جنب"، لكن ضمن ضوابط معيّنة اسمها "المناطق والمحسوبيات". المستغرب في هذه الموجة كانت مصادرة وبيع المواد المضبوطة فوراً، وقبل صدور أحكام نهائيّة أو مبرمة من قبل قضاة الحكم، حتى لو اقتضى الأمر مخالفة القانون.
وهنا يسأل اللبنانيّون، هل فعلاً الدولة حاضرة وتحارب الفساد؟ أم أنّ القضاء والأمن والحملات يعملون بناءً على طلب فئة من هنا أو فريق من هناك، ويُسخّرون ويُستغلّون استنسابيّاً للنيل من فريقٍ سياسيٍّ معيّن أو منطقة معينة أو طائفة معيّنة؟
متى سيستيقظ اللبنانيّون ليروا أنّ الحملات في لبنان ليست موجات وفورات مؤقتة، بل ممارسة الدولة لسلطتها ولبسط هيبتها على أراضيها من دون تمييز بين ابناء الوطن الواحد؟