درس للبنانــييّن من ميشيل أوباما
درس للبنانــييّن من ميشيل أوباما

لفّت صورة الرئيس الأميركي باراك اوباما وهو يعانق زوجته ميشيل العالم، وصارت الصورةُ الأكثر حضوراً على موقع التواصل الإجتماعي، الفايسبوك. الصورة بسيطة، عاديّة، لا لقطة فنيّة فيها يمكن ان تلفِت النظر أو تثير الإعجاب. ومع ذلك تناقلتها الناس في ما بينها لأنّه تبيّن لها أن السيّدة الأميركية الأولى ترتدي فيها فستاناً ثمنُه تسعة وستون يورو فقط . إنتظرت زمن الصولد والحسومات لتشتريه من أحد المحّال التجاريّة الكبرى عبر طلبيّة الكترونيّة.

وتبيّن بكل بساطة ان الفستان الأحمر والأبيض ترتديه آلافُ الأميركيّات العاديّات من عامّة الشعب.

درسٌ معبّر عن الحصانة الأخلاقيّة للمسؤول وعائلتِه وأقربائه وانسبائه تقدّمها الولايات المتحدة لنا ولسائر دول العالم الثالث، بعد الدرس الديموقراطي الذي قدّمته الإنتخابات الرئاسية الأسبوع الماضي.

لا ضرورة للحديث والتذكير ببعض الروايات السوريالية اللبنانية. زوجة أحد الوزراء اشترت خلال فترة الأعياد العام الماضي علباً من الشوكولا لإهدائها بمبلغ يتجاوز المئة الف دولار، وغيرُها وغيرُها.

ما يهمّ في هذا الموضوع السؤال المطروح منذ وجود لبنان: من أين لك هذا ؟ أَقرّ مجلس النواب هذا القانون في العام 1953 بمسعى من العميد ريمون ادّه، وانتظر اللبنانيّون أكثر من نصف قرن حتى سنّ مجلس النواب قانوناً يفرض على العاملين في الحقل العام، من رئيس الدائرة في الإدارات والمؤسّسات العامّة، حتى الرئيس الأول التصريح عن ثرواتِهم وممتلكاتِهم الشخصيّة.النتيجة بعد ستّ سنوات على البدء بتطبيق القانون تثبت ان لبنان بلد خال من الفساد والفاسدين. لم يُضطّر القضاء اللبناني مرّة واحدة للإستعانّة بالتصاريح المودعة في المجلس الدستوري ومصرف لبنان، ليسأل احداً من اين له هذا. حتى الشكّ والظنّ لم يَرِدا في ذهن ايّ من المعنيّين في هذه الجمهورية العائمة فوق بحر من الإستقامة ونظافة الكفّ والسهر على المال العام.

أما ما تتناقله وسائل الإعلام من أخبار عن فضائح انغمست فيها أيادي المسؤولين، وآخرها فضيحة الدواء، فروايات ينسجها الصحافيّون بهدف الإثارة لا أكثر ولا أقلّ.

ليس صحيحاً ان ملفّ الغذاء الفاسد تمّت لفلفته، وان العائدات الجمركيّة المهدورة في المطار والمرافئ ممنوعٌ حتى الحديث عنها، وإن المافيات النفطيّة، والمافيات التربويّة، والمافيات السياحيّة وسائر اخواتها تسرح وتمرح.

في أميركا تمد السيّدة الأولى بساطها على قدّ رجليها.في لبنان يمدّ المسؤولون وزوجاتُهم أبسطَتَهُم على قدّ أرجل الرؤساء والأمراء والملوك.

المشكلة ان المشكلة ليست حديثة. بذورُها تعود إلى زمن الإستقلال ومآثر السلطان سليم وسائر السلاطين في العهود المتعاقبة.

في الثامن عشر من كانون الأول من العام 1959 كتب الراحل ميشال أبو جودة  واحداً من أهمّ مقالاته الصحافيّة في صحيفة" النهار" بعنوان " وداعاً أيها الأمير" حمل فيه على التعيينات الإداريّة يومها في عهد الرئيس فؤاد شهاب. كتب أبو جودة : " لبنان لم يَعُد مزرعة. اصبح تعاونية مزارعين.

مساء الأربعاء توارثوه كابراً عن كابر. آل البيت، الأقرباء والأنسباء حتى الدرجة السابعة."

الفارق الاساسي اليوم ما عادوا يكتفون بالدرجة السابعة.