زياد الساخر من الحياة… عزف "نوتة" الموت
26 Jul 202511:46 AM
زياد الساخر من الحياة… عزف "نوتة" الموت
داني حداد

داني حداد

خاص موقع Mtv

 

ليس زياد الرحباني فنّاناً آخر يرحل عن هذه الدنيا، فنستذكره بأعماله وبمحطّاتٍ مصوّرة، أو نحتفي بوسامٍ على نعشه. زياد رفيق شبابنا، علّمنا أن نسخر من هذه الحياة، وأن نلعب على الكلمات، فتحضر عباراته الشهيرة كمحطّات كلامٍ لدى أجيالٍ معظم من ينتمي اليها لم يشاهد عملاً مسرحيّاً واحداً له، بل تابع أعماله سمعاً وحفظها غيباً.

غريبٌ كيف كنّا نسمع مسرحيّات زياد مئات المرّات. وحين شاهدنا مسرحيّتين له صُوّرتا بأسوأ تقنيّة، بهدف المشاهدة الخاصّة لا العامّة، خرجنا من الصالة مبتسمين، بل منتصرين، كمن صنع إنجازاً وحقّق أمنيةً، بعد أعوامٍ طويلة من الانتظار.
أحببنا زياد لأنّه كان يقول ما نحبّ أن نقوله، ولكن بأسلوبه، بسخريّته، وهو، وإن غاب عقوداً عن إصدار أعمالٍ جديدة، ظلّت مسرحيّاته جزءاً من وجداننا الذي لوّثته محطات كثيرة، حرباً ثمّ سلماً، لكنّ زياد، مع كلّ "شوائب" شخصيّته ومزاجيّته و"شطحاته" السياسيّة والفكريّة والخاصّة، بقي حاضراً فيه وقادراً على تحقيق خرقٍ في حضوره حتى وسط الفئات التي تختلف معه عقائديّاً ودينيّاً وسياسيّاً.
مع زياد سهرنا في "سهريّة"، في قهوة "نخلة التنّين"، وسألنا "مين قال آه يا مدام؟".
مع زياد اكتشفنا أنّ البلد يشبه النزل، من دون سرورٍ غالباً، إذ يحوي هويّات وتوجّهات غالباً ما تتناقض، وإذا "ما إجا ظالم بتجي جربوعة"، وكم ظلمنا هذا البلد وظلم مواهب نادرة مثل زياد.
مع زياد اكتشفنا كيف يحسب "موسيو أنطوان" الـ "نصّ كبسة"، وكيف يطلّ نجيب من الطاقة "مشرقط"، وكيف سينتقل رامز من الباشورة الى شارع الحمرا، مع التاكسي والـ "بيك آب"، وكيف يبيع اللبناني الى الخليجي كلّ شيء، من النساء الى القصائد والجزادين والأحذية، ومن هي ثريّا، أشهر زوجة تمارس أقدم مهنة في التاريخ... 
مع زياد تعلّمنا أنّ ما عشناه من أحداثٍ كان غالباً صناعة أميركيّة، وما يزال الفيلم الأميركي الطويل مستمرّاً إلى يومنا هذا، وكم من "رشيدٍ" مجنون أكثر عقلانيّةً ممّن حكمنا وأوصل البلد إلى ما نحن فيه.
ومع زياد أدركنا أنّ بعض ما نعيشه "شي فاشل"، لكنّنا نفرح به، كمثل فرحنا بالدلعونا والميجانا التي لا نعرف أصولها، وبأنّ الجرّة تناوب على سرقتها كثيرون، وبأنّ "السكس" بين المختار والصبيّة ليس عيباً ما دام بعض حكّامنا اغتصبوا أموالنا وأيّامنا…

لزياد الرحباني جميلٌ كبيرٌ علينا. موسيقى ومسرحيّات وحلقات إذاعيّة ومقابلات، حفظناها كلّها، ومع ذلك لم نحفظ أنّ البلد "لا صناعة فيه ولا زراعة فيه ولا مواد أوّليّة"، بل فيه الكثير من "الكرامة والشعب العنيد".
بلدٌ سيكون مختلفاً من دون زياد الذي يعرف كيف يقطف من كلّ موقف، مهما كان مؤلماً، ضحكةً تحرّك عضلات الخدّين و... المخّ. مع زياد تأتي الضحكات من فوق، من الرأس.
زياد أصبح فوق، أو تحت، الله أعلم. ولكنّه سيبقى على لساننا، نلعب معه بالكلمات ونسخر من هذه الحياة، حتى نمضي. وما أضيق العيش… "لولا فسحة الأمل".