"سوق الخميس" في الخيام: الحياة تنهض من تحت الركام
06 Sep 202506:08 AM
"سوق الخميس" في الخيام: الحياة تنهض من تحت الركام
نداء الوطن

روجيه نهرا

نداء الوطن

 

عادت "سوق الخميس" الشعبية في بلدة الخيام، لتضخّ الحياة مجدّدًا في نفوس أبناء البلدة والقرى المجاورة، بعد توقّف قسري من جرّاء الحرب الإسرائيلية على لبنان، بين عامي 2023 و 2024. هذه العودة تؤكّد ثبات الأهالي وتمسّكهم بأرضهم، مهما كانت الصعوبات والتضحيات. ومع عودة السوق التي كان تشكّل متنفّسًا اقتصاديًّا لشريحة واسعة ولا سيّما أصحاب الدخل المحدود، يأمل سكان الخيام أن تحمل هذه الخطوة، أملًا حقيقيًّا بانتهاء الواقع المأسوي الذي يعيشه أبناء منطقة مرجعيون، في ظلّ استمرار الوضع الأمني المتأرجح بين التوتر والهدوء، إضافة إلى احتلال إسرائيل التلال الخمس ومواقع حيوية تشرف على القرى الأمامية المتاخمة للحدود خصوصا تلة الحمامص.

تعود "سوق الخميس" التراثية إلى أكثر من 100 عام، وتشكّل محطة للتلاقي والتعارف بين أبناء المنطقة المتنوّعة ثقافيًا ودينيًا. تقام كلّ خميس، وتتمركز حاليًّا على ركام ساحة الخيام المدمّرة بدل الطريق العام المقابل لمبنى بلديّة الخيام. بدأت إقامة السوق في ما يسمّى بالساحة التحتا وامتدادًا نحو الشوارع المحيطة. وعندما أنشئت الساحة الفوقا، امتدّت لتشمل الساحتين، قسم للخضار والفواكه، وقسم للألبسة والأدوات المنزلية.

يعتبرها الكثيرون من أبناء الخيام والجوار فرصة أُسبوعيّة لا للأسر الفقيرة والمتوسّطة الدّخل فحسب، بل للعائلات الميسورة كذلك، نظرًا إلى تعدّد الخيارات والأسعار. تتنوّع السلع والبضائع بين الفواكه والخضار، والمكسّرات والبهارات والحلويات والمؤونة البيتيّة، إضافة إلى الملابس والأدوات المنزليّة والمعدّات والخرضوات والألعاب والهدايا على اختلافها، إلى الأدوات والمقتنيات التّراثيّة والجلديّات وغيرها.

ترفد الفواكه والخضار والمزروعات من سهل مرجعيون وسردة والعمرة والوزّاني وإبل السقي، جانبًا أساسيًّا من سوق الخيام الأسبوعية، بأسعار تتدنّى عن أسعار المحلّات والدّكاكين، نظرًا إلى أنّ تكلفة "البسطة" أقلّ بكثير ممّا يتكبّده أصحاب المحلّات الثّابتة من مصاريف وأجور وكهرباء.
لا شكّ في أنّ الهدف الأساس من ارتياد الأسواق هو الشّراء ومتعة التسوّق. في المقابل، يجد الكثيرون في "سوق الخميس" مساحة لتلاقي الأصحاب والأقارب والمعارف. ومن يقصد "سوق الخيام" يشتمّ عبق الذّاكرة، إلى زمن الأجداد، إلى العادات والتّقاليد المندثرة، فللأسواق الشعبيّة نكهتها ومكانتها وأصالتها.

في جولة لـ"نداء الوطن" داخل أرجاء السوق التي شهدت زحمة بائعين ومستهلكين توافدوا من كلّ المناطق بهدف مساندة أبناء الخيام والقرى المجاورة بعد توقف الحرب، يقول التاجر علي حيدر ابن بلدة قعقعية الجسر النبطية: "أتينا لنؤكد تضامننا مع أهلنا في الخيام وندعم إعادة إحياء هذه السوق التي يستفيد منها الكثيرون من سكان منطقة مرجعيون، الحمد للّه حركة البيع مقبولة ونحاول تخفيض أسعار البضاعة ولا سيّما في أيلول شهر الدفع وتحضير المونة والأقساط المدرسية والجامعية وتأمين الحطب والمازوت المخصّص للتدفئة في الشتاء. أسعارنا مدروسة وتناسب الجميع ونبيعها بسعر الكلفة، نريد دعم بقاء الأهالي في الخيام والمنطقة، هدفنا ليس الربح بل التضامن".

من جهتها، تقول أميمة الخليل ابنة الساحل: "أتيت إلى هنا لكي أقف إلى جانب أهلي في الخيام، وأعبّر عن تضامني وتشجيعي لهذه السوق التي تمثّل تحدّيًا حقيقيًّا لمخططات إسرائيل في جعل المنطقة من دون حياة ولا ناس، وهدف زيارتي إلى سوق الخيام هو لدعم أهل الجنوب ولكي تنتعش المنطقة من جديد". أضافت: "نحن أبناء ثقافة الحياة وليس ثقافة الموت كما يقال، وهذه السوق هي أكبر دليل، ورغم كلّ هذا الدمار، نعود لنعيش حياتنا الطبيعية".

أمّا ابنة بلدة الخيام ريم، فتشدّد على "أننا متمسكون بأرضنا ومصرّون على إثبات أننا شعب قادر على صنع مستقبل أفضل لبلدتنا رغم الدمار الذي غيّر معالم الخيام. "سوق الخميس" في البلدة هي تراث الخيام ونتغنّى به، فهي رمز للصمود والتحدّي والانتصار ورمز للشباب الذين ضحّوا بأنفسهم من أجل الخيام ولبنان. هذه السوق التي يقصدها أبناء القرى المجاورة، تمنحنا أملًا كبيرًا بأن الحياة ستعود يومًا".