حزمة ضغوط إسرائيلية بعد التعيين: حصار في كل الميادين
05 Dec 202506:59 AM
حزمة ضغوط إسرائيلية بعد التعيين: حصار في كل الميادين
نداء الوطن

ألان سركيس

نداء الوطن
سلك لبنان مسارًا جديدًا كان يجب سلوكه منذ فترة. وسبّب دخوله في سياسة المحاور حروبًا ودماراً. وبعد تعيين السفير سيمون كرم كمفاوض في لجنة الميكانيزم، يبقى انتظار الخطوات المقبلة خصوصًا أن غارات الأمس لا توحى بتراجع إسرائيلي.

بين الواقع والأوهام فرق شاسع وكبير. "حزب الله" يكابر وكأنه يعيش الروايات التي كان يُطلقها أمينه العام الراحل السيّد حسن نصرالله كقدرته على احتلال الجليل ومحو إسرائيل من الوجود وامتلاك قوة عسكرية ضخمة قادرة على هزيمة إسرائيل، بينما الواقع مغاير للأمنيات، معظم قادة "الحزب" قتلوا، وهناك قرى غير قادرة على العودة، وميزان القوى مختل مع إسرائيل وأي دخول في حرب جديدة هو انتحار جماعي لأهل الجنوب والبقاع والضاحية.

لا يمكن للدولة اللبنانية الاستمرار بمسايرة "حزب الله"، ومن جهة ثانية، لا يمكن المزايدة على حركة "حماس" التي وقعت على اتفاق غزة، والسلطة الوطنية الفلسطينية والنظام الجديد في سوريا والدول الخليجية، وهؤلاء جميعًا ينتهجون سياسة الحوار مع إسرائيل.

أحدثت خطوة تعيين السفير كرم كمفاوض سياسي في الميكانيزم صدمة إيجابية على صعيد المستوى الشعبي الذي اشتاق إلى رؤية شخصيات سيادية في مراكز قيادية، وكذلك أحدثت صدمة سياسية ودبلوماسية وسط ترحيب أميركي بهذه الخطوة وتشجيع على الاستمرار بها.

وإذا كان "حزب الله" أول المعترضين من خلال هجوم إعلامه على هذه الخطوة التاريخية وتخصيص الرئيس نبيه برّي بهجوم لأنه غطّى الخطوة، فهذا الأمر يبقى في إطار الشكليات، لأن بري لا يوافق على أي قرار من دون موافقة "حزب الله"، وإذا وافق ولم يستشر "الحزب" فهنا يبدأ أوان الشقاق والابتعاد في المواقف.

حضر كرم الاجتماع الأول للميكانيزم، وعلى رغم تردّد الدولة اللبنانية وحذرها، إلا أن هذا الاجتماع يفتح أبواب التفاوض المباشر لاحقًا ويبشر بمرحلة قد تنهي الحروب والصراعات مع إسرائيل، والتي تحصل خارج الأجندة اللبنانية. لكن المخاوف أن تكون الدولة اللبنانية، وبهندسة برّي ورضى "حزب الله"، قد اتخذت هذه الخطوة من أجل شراء الوقت وتقطيع المرحلة وتمرير العاصفة وسط الاستمرار بسياسة التذاكي على الأميركيين والمجتمع الدولي.

أتت خطوة لبنان في الاتجاه الصحيح وفي المسار الذي تسلكه المنطقة بأكملها، وعلى رغم كل تلك الإيجابية، إلا أن المقرّات الرسمية ومراكز القرار في الدولة اللبنانية، تعتبر هذه الخطوة البداية والانطلاقة، ولا تعني أبدًا حلّ المشاكل أو الاتجاه نحو السلام أو تبريد الأجواء، وما الغارات الأخيرة إلا دليل على هذه المخاوف.

وتتوقع المرجعيات الرئاسية ارتفاع منسوب الضغط الإسرائيلي بعد هذه الخطوة، وقد نكون أمام خيار إسرائيلي تصعيدي، وبما أن إطار الحوار والتفاوض بدأ يرتسم ووضعت الهيكلية المناسبة له، فإسرائيل تحمل شعارًا وهو التفاوض تحت النار، ولا يوجد أي رادع أمامها، وبالتالي، قد تشهد الأيام والأسابيع المقبلة تصعيدًا في العمليات العسكرية وتسخينًا للجبهة الجنوبية لكي تذهب إلى المفاوضات من منطق القوة التي تعتمده إسرائيل دائمًا.

ولا ترى الدولة اللبنانية أن اشتداد الضغط الإسرائيلي سيتوقف على العمليات العسكرية والقصف والاغتيالات، بل قد يترافق ذلك مع ضغط سياسي ودبلوماسي وحتى اقتصادي ومالي وكل الميادين التي تضايق لبنان. وتعرف إسرائيل هشاشة الوضع اللبناني، فالبلد يحتاج إلى دعم ورعاية المجتمعين العربي والدولي، وقد تضغط اسرائيل  على صناع القرار في العالم من أجل ممارسة أقصى ضغوطات على لبنان، وذلك من أجل تليين موقفه في المفاوضات وتقديم المزيد من التنازلات.

تضيق الخيارات أمام الدولة اللبنانية، ولا يمكنها الاستمرار بسياسة مسايرة "حزب الله" حتى النهاية، فرسائل التحذير المصرية والخليجية والغربية ما تزال تتوافد إلى لبنان، والمطلوب واحد وهو نزع سلاح "حزب الله" وباقي الميليشيات المسلّحة وحصر السلاح بيد الدولة، أما المهلة فليست مفتوحة، ولا يمكن للبنان خداع المجتمع الدولي هذه المرّة، وقد يكون قداسة البابا لاوون الرابع عشر قد اختصر الصورة والمطلوب بقوله "إن على "حزب الله" تسليم السلاح من ثم الذهاب إلى الحوار، أي لا حوار جدّي ولا تقدّم قبل تسليم السلاح.