هجوم تدمر... محاولة يائسة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء
16 Dec 202507:10 AM
هجوم تدمر... محاولة يائسة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء
نداء الوطن

نايف عازار

نداء الوطن
أعاد هجوم تدمر المباغت، الذي نجم عنه مقتل ثلاثة أميركيين، بينهم جنديان، وجرح ثلاثة آخرين وعنصرين من الأمن السوري، تسليط الضوء على المشهد الأمني الهش الذي يظلّل مساحات شاسعة من الجغرافيا السورية المترامية الأطراف، في بلد لا تزال فيه القبضة الأمنية غير محكَمة بالكامل، وهو الخارج من قبضة ديكتاتورية أسدية حكمت بالحديد والنار، وعاثت فسادًا في البلاد والعباد لأكثر من خمسة عقود.

أصابع الاتهام الأولى أشارت إلى بصمات تنظيم "داعش"، الذي لا تزال خلاياه على قيد الحياة في مدينة تدمر، وهنا يرجح الخبراء العسكريون فرضية "الذئاب المنفردة"، بحكم أن شخصًا واحدًا شن الهجوم، ربّما بمبادرة فردية منه ومن دون أي تنسيق أو مؤازرة لوجستية من خارج الموقع المستهدف، علمًا أن البقعة الجغرافية التي كانت مسرحًا للهجوم، هي شاسعة وغير مأهولة، وتخضع عملياتيًا لسيطرة قوات "التحالف الدولي" شبه المطلقة. لذلك يعتبر المراقبون أن تأمين المنطقة المستهدفة يقع على عاتق قوات التحالف، خصوصًا أن وزارة الداخلية السورية ألمحت إلى أن قوات التحالف لم تأخذ على محمل الجدّ تحذيرات دمشق الأمنية لها، باحتمال تعرّض المنطقة المستهدفة لعمل ما من جانب تنظيم "داعش"، عدوّ واشنطن والإدارة السورية على حد سواء.

واقعة تدمر الدامية، التي حصدت أرواح ثلاثة أميركيين في أول هجوم يُقتل فيه أميركيون في سوريا بعد سقوط نظام الأسد الفار، أكدت حتمية وجود ثغرات أمنية كبيرة في المنطقة، وهو ما يتطلّب من الدولة السورية الوليدة بسط سيطرتها الأمنية الذاتية على مدينة تدمر، التي كانت تدور سابقًا في فلك تنظيم "داعش"، وألا تكتفي فقط بالتلطّي خلف مظلّة "التحالف الدولي" الأمنية.

يأتي الهجوم بعد أسابيع قليلة من لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مرتديًا ربطة عنق، قاطن البيت الأبيض، بعدما كان قبل شهور يرتدي زيًا جهاديًا عسكريًا، مقارعًا قوات الأسد، وقبل سنوات خلت أحد أخطر أعداء واشنطن. وفي زيارته الأخيرة إلى واشنطن، وقع الشرع إعلان تعاون سياسي مع "التحالف الدولي" لمحاربة تنظيم "داعش". وإن كان الإعلان لا يشمل أي بنود عسكرية، إلّا أنه يعزز قنوات التعاون الأمني المفتوحة أصلًا بين دمشق والدول الغربية، خصوصًا الولايات المتحدة. هذا الأمر لم يرُق بطبيعة الحال لجزء من "البيئة الحاضنة" السابقة التي أفرزت الشرع، والتي لم تستوعب بعد تحوّله القياسي من مقاتل جهادي ضدّ "الامبريالية الأميركية" و"الشيطان الأكبر"، إلى مقاتل في صفوف "التحالف الدولي" ضدّ التنظيمات الجهادية.

يربط بعض المراقبين أيضًا هجوم تدمر بتصويت مجلس النواب الأميركي الأخير على رفع العقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة على دمشق بموجب "قانون قيصر"، وربما رمى المتضررون من سلوك سوريا درب الانتعاش الاقتصادي وخروجها من العزلة الاقتصادية الخانقة إلى رحاب المنظومة الاقتصادية العالمية، إلى عرقلة هذا المسار، في محاولة يائسة منهم لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. إلّا أن الهجوم لن يؤثر على العلاقة الوطيدة التي باتت محبوكة بين الإدارة السورية الجديدة وإدارة ترامب، الذي أبدى علنًا أكثر من مرّة إعجابه بالرئيس السوري الشاب.

كذلك، لا يبدو أن الهجوم سينعكس سلبًا على العملية السياسية في البلاد، إلّا أنه يُعيد التذكير بأن التنظيمات المتطرّفة لم تسحق تمامًا في سوريا، بل لا تزال على قيد الحياة، ولن تسلّم بالأمر الواقع الجديد بسهولة.

ولا يغيب عن البال أيضًا، أن القوى الأمنية السورية الرسمية لا تزال "طريّة العود"، وهي لم تنقِّ نفسها تمامًا من ترسّبات التنظيمات المتطرّفة، خصوصًا أن نواة الجيش السوري تتكوّن من فصائل مسلّحة متعدّدة الأهواء والولاءات الخارجية، وتضمّ في صفوفها مقاتلين أجانب يتمتعون برتب عسكرية عالية، وهذا ما يفسّر أن مهاجم تدمر نشأ وترعرع في صفوف قوات الأمن السورية.