جيسيكا حبشي
خاص موقع Mtv
أراهن أنه في عام 2025، لم يقرأ المواطن اللبناني أيّ كتاب متخصّص في علم الاجتماع، لكنّ الأكيد أننا تخرّجنا جميعاً بعلامات متفوّقة. الحياة في لبنان مدرسة وجامعة وأكثر، وهي التي توّلت تعليمنا ونحت يوميّاتنا و"تلقيننا" أقسى الدروس خلال هذا العام الصّعب.
تعلّمنا أشياء لم نكن نعرف أننا بحاجة لتعلّمها، وربّما لم نكن نريد ذلك، ولكنّنا نجحنا جميعاً في حفظ هذه الدّروس جيّداً...
شعبٌ يتكيَّف لـ َ"يكيِّف"
تعلّم المواطن اللبناني أنّ الفرح ليس حالة طبيعية بل مهارة مكتسبة من وحي ما يعيشه يوميّاً. فهمنا كيف يمكننا أن نفرح "على قدّ الوضع": لا نستطيع السّفر؟ نخطّط لرحلة صغيرة في لبنان. أسعار المطاعم مرتفعة؟ نملأ المقاهي بضحكاتنا ولقاءاتنا على فنجان قهوة. لا قدرة على صرف الكثير من الأموال للاحتفال بالأعياد؟ ندور في مختلف المناطق اللبنانية وننبهر بأضخم الشجرات ونتصّور تحتها. تعلّمنا في لبنان كيف نحتفل بالأشياء الصغيرة وكأنها إنجازات. كنهار بلا زحمة مثلاً، وفاتورة بلا مفاجآت، و"فحصيّة" طبيب تحت الـ100 دولار.
نقرأ الوجوه قبل الأخبار
في 2025، تعلّم اللبناني أن يقرأ الأخبار بطريقة تتفوّق على أذكى منصّات الذكاء الاصطناعي. أصبح لا يقرأ الصفحات والعناوين بل وجوه الناس من حوله وما تعكسه. نظرة سائق التاكسي، وضحكة "المحاسب" في السوبرماركت، ونبرة البائع في "المول". يسأل الموظّف "إذا الوضع منيح؟" ولا ينتظر تصريح المسؤول عن آخر المؤشرات الاقتصادية. يحاول أن يفهم من الصيدلي إذا كانت كلّ الأدوية متوفّرة، ويقرأ في جواب الموظّف في إحدى الإدارات الرسمية "انشالله خير" أنّ المعاملة ستتأخر. ببساطة في لبنان، من يقرأ الوجوه جيّداً، نادراً ما يفاجَأ بما سيأتي في الأخبار.
الوقت أغلى من الذهب
في بلد يسرق كلّ خلية في أعصابنا، تعلّمنا أن نوفّر وقتنا جيّدا وألا نضيّعه في نقاشات فارغة وعقيمة في السياسة مثلاً مع بعض "المتحجّرين القدامى"، أو في علاقات مزيّفة لا تفيد بشيء. في 2025، الوقت صار عملة نادرة بالنسبة اللبناني، لا بل أصبح أغلى من الذهب مع كلّ ارتفاعاته. والجلسة في المنزل أفضل من أي مشروع يسلب منك وقتك وراحتك ومالك. في الـ2025، لم تعد كل دعوة تستحق الخروج، ولا كل نقاش يستحق المشاركة. ففي هذا العام تعلّمنا أن نقول "لا" من دون تبرير طويل وشعور بالذنب، وأن ننسحب من أحاديث مستنزِفة، لأن ساعة راحة مع المقرّبين باتت أثمن من جلسة اجتماعية تدوم لساعات وتخرج منها مثقلاً ومهموماً. اللبناني لم يعُد "يساير" كعادته في هذا العام، بل يبتعد بهدوء... وسلام.
نُخطّط للأشياء الصّغيرة... والكبيرة "على الله"
في لبنان، تَغيّر معنى التخطيط. لم نعد نخطّط للسنوات الطويلة، ولا للأحلام الكبيرة، بل للأشياء التي يمكن أن نُسيطر عليها كوجبة غذاء مثلاً، ومشوار الغد، وما يتوجّب علينا من مدفوعات حتّى آخر الشهر كحدّ أقصى. أمّا الأمور الكبيرة، فانتقلت تلقائياً إلى خانة "على الله". ليس لأننا تخلّينا عنها، بل لأننا تعلّمنا أن نؤجّل القلق عليها. ففي وقتٍ تعلّم المواطن اللبناني بعد الأزمة التي عصفت بلبنان أن يدّخر أمواله تحت "الوسادة" بدلاً من المصرف، بات خلال هذا العام يصرف ما يملك، يستمتع باليوم، بالحاضر، ويترك الغد مفتوحاً. لأنه في بلد يتغيّر فيه كل شيء فجأة، أصبح العيش على قياس الواقع، شكلاً من أشكال الذكاء الاجتماعي.
ننشر أقلّ... الخصوصيّة نعمة
أخيراً، تعلّمنا، كما أتمنّى، درساً بسيطاً ولكن عميقاً: ليس كل شيء يُقال، وليس كل شيء يُنشر. بعد سنوات من مشاركة كل تفصيل على مواقع التواصل الاجتماعي، اكتشفنا أنّ الخصوصيّة ليست انعزالاً، بل حماية ونعمة. صرنا نعيش أكثر ونوثّق أقلّ، نحتفظ باللحظة لأنفسنا بدل أن نعرضها للآخرين.
لم نعد نُعلن عن كل خروج، ولا نشارك كلّ وجبة، ولا نُفصّل كل إنجاز. تعلّمنا أنّ بعض الأشياء تزدهر حين تبقى بعيدة عن العيون كالعلاقات، والخطط، وحتى الفرح، وأصبحت المتعة هي بأن يعيش الإنسان لحظة حقيقية من دون أن يفكّر بالصّورة، أو بالتعليق المناسب وبعدد نقرات الإعجاب. وهذا قد يكون أهم درس لكثُر ممّن لم يتعلّموا بعد...
باختصار، عام 2025 لم يعلّمنا كيف نعيش أفضل، بل كيف نعيش بطريقة أذكى وأكثر راحة جسديّة ونفسيّة. علّمنا أن نختصر، ألا نقلق، وأن نفرح بما هو بسيط وحقيقي.
اللبنانيّون لم يصبحوا أقوى خلال هذا العام، ولكنهم أصبحوا أصدق مع أنفسهم ومع مَن حولهم. وربما هذا، في بلد مثل لبنان، هو إنجازٌ بحدّ ذاته.
تعلّمنا أشياء لم نكن نعرف أننا بحاجة لتعلّمها، وربّما لم نكن نريد ذلك، ولكنّنا نجحنا جميعاً في حفظ هذه الدّروس جيّداً...
شعبٌ يتكيَّف لـ َ"يكيِّف"
تعلّم المواطن اللبناني أنّ الفرح ليس حالة طبيعية بل مهارة مكتسبة من وحي ما يعيشه يوميّاً. فهمنا كيف يمكننا أن نفرح "على قدّ الوضع": لا نستطيع السّفر؟ نخطّط لرحلة صغيرة في لبنان. أسعار المطاعم مرتفعة؟ نملأ المقاهي بضحكاتنا ولقاءاتنا على فنجان قهوة. لا قدرة على صرف الكثير من الأموال للاحتفال بالأعياد؟ ندور في مختلف المناطق اللبنانية وننبهر بأضخم الشجرات ونتصّور تحتها. تعلّمنا في لبنان كيف نحتفل بالأشياء الصغيرة وكأنها إنجازات. كنهار بلا زحمة مثلاً، وفاتورة بلا مفاجآت، و"فحصيّة" طبيب تحت الـ100 دولار.
نقرأ الوجوه قبل الأخبار
في 2025، تعلّم اللبناني أن يقرأ الأخبار بطريقة تتفوّق على أذكى منصّات الذكاء الاصطناعي. أصبح لا يقرأ الصفحات والعناوين بل وجوه الناس من حوله وما تعكسه. نظرة سائق التاكسي، وضحكة "المحاسب" في السوبرماركت، ونبرة البائع في "المول". يسأل الموظّف "إذا الوضع منيح؟" ولا ينتظر تصريح المسؤول عن آخر المؤشرات الاقتصادية. يحاول أن يفهم من الصيدلي إذا كانت كلّ الأدوية متوفّرة، ويقرأ في جواب الموظّف في إحدى الإدارات الرسمية "انشالله خير" أنّ المعاملة ستتأخر. ببساطة في لبنان، من يقرأ الوجوه جيّداً، نادراً ما يفاجَأ بما سيأتي في الأخبار.
الوقت أغلى من الذهب
في بلد يسرق كلّ خلية في أعصابنا، تعلّمنا أن نوفّر وقتنا جيّدا وألا نضيّعه في نقاشات فارغة وعقيمة في السياسة مثلاً مع بعض "المتحجّرين القدامى"، أو في علاقات مزيّفة لا تفيد بشيء. في 2025، الوقت صار عملة نادرة بالنسبة اللبناني، لا بل أصبح أغلى من الذهب مع كلّ ارتفاعاته. والجلسة في المنزل أفضل من أي مشروع يسلب منك وقتك وراحتك ومالك. في الـ2025، لم تعد كل دعوة تستحق الخروج، ولا كل نقاش يستحق المشاركة. ففي هذا العام تعلّمنا أن نقول "لا" من دون تبرير طويل وشعور بالذنب، وأن ننسحب من أحاديث مستنزِفة، لأن ساعة راحة مع المقرّبين باتت أثمن من جلسة اجتماعية تدوم لساعات وتخرج منها مثقلاً ومهموماً. اللبناني لم يعُد "يساير" كعادته في هذا العام، بل يبتعد بهدوء... وسلام.
نُخطّط للأشياء الصّغيرة... والكبيرة "على الله"
في لبنان، تَغيّر معنى التخطيط. لم نعد نخطّط للسنوات الطويلة، ولا للأحلام الكبيرة، بل للأشياء التي يمكن أن نُسيطر عليها كوجبة غذاء مثلاً، ومشوار الغد، وما يتوجّب علينا من مدفوعات حتّى آخر الشهر كحدّ أقصى. أمّا الأمور الكبيرة، فانتقلت تلقائياً إلى خانة "على الله". ليس لأننا تخلّينا عنها، بل لأننا تعلّمنا أن نؤجّل القلق عليها. ففي وقتٍ تعلّم المواطن اللبناني بعد الأزمة التي عصفت بلبنان أن يدّخر أمواله تحت "الوسادة" بدلاً من المصرف، بات خلال هذا العام يصرف ما يملك، يستمتع باليوم، بالحاضر، ويترك الغد مفتوحاً. لأنه في بلد يتغيّر فيه كل شيء فجأة، أصبح العيش على قياس الواقع، شكلاً من أشكال الذكاء الاجتماعي.
ننشر أقلّ... الخصوصيّة نعمة
أخيراً، تعلّمنا، كما أتمنّى، درساً بسيطاً ولكن عميقاً: ليس كل شيء يُقال، وليس كل شيء يُنشر. بعد سنوات من مشاركة كل تفصيل على مواقع التواصل الاجتماعي، اكتشفنا أنّ الخصوصيّة ليست انعزالاً، بل حماية ونعمة. صرنا نعيش أكثر ونوثّق أقلّ، نحتفظ باللحظة لأنفسنا بدل أن نعرضها للآخرين.
لم نعد نُعلن عن كل خروج، ولا نشارك كلّ وجبة، ولا نُفصّل كل إنجاز. تعلّمنا أنّ بعض الأشياء تزدهر حين تبقى بعيدة عن العيون كالعلاقات، والخطط، وحتى الفرح، وأصبحت المتعة هي بأن يعيش الإنسان لحظة حقيقية من دون أن يفكّر بالصّورة، أو بالتعليق المناسب وبعدد نقرات الإعجاب. وهذا قد يكون أهم درس لكثُر ممّن لم يتعلّموا بعد...
باختصار، عام 2025 لم يعلّمنا كيف نعيش أفضل، بل كيف نعيش بطريقة أذكى وأكثر راحة جسديّة ونفسيّة. علّمنا أن نختصر، ألا نقلق، وأن نفرح بما هو بسيط وحقيقي.
اللبنانيّون لم يصبحوا أقوى خلال هذا العام، ولكنهم أصبحوا أصدق مع أنفسهم ومع مَن حولهم. وربما هذا، في بلد مثل لبنان، هو إنجازٌ بحدّ ذاته.