تتخطى عظمة مار شربل ما يدركه العقل، وما تحتويه القلوب. فهذا القديس لا يبخل على محبيه بالنعم، لدرجة أصبحت قداسته "لبيسة إشاعات" فيتم أحيانا اختراع أعاجيب لم تحصل، ويتم إلصاقها بقديس عنايا. لكن لنفترض أنها إشاعات، أليس مار شربل قادرا على ما هو مستحيل في منظارنا البشري؟
الجواب... طبعا نعم... والدليل واضح، في ظاهرة غريبة نشهدها في عنايا، وفي عنايا فقط. مؤمنون يفترشون الأرض في الدير في عنايا، وينامون في جوار القديس، ليرفعوا الصلاة لأنفسهم ولمحبيهم، وليطلبوا... وليشكروا. النوم في عنايا قد يكون على الأرض، أو في السيارة، أو في الفندق المجاور... المهم في عنايا.
تدرك عندما تركع عند قدمي المحبسة، كيف أن غرفة صغيرة باردة في أعلى التلة يمكنها أن تحوي هذا الكم من الدفء والعاطفة والنور. تخال أنك تنظر إلى خيال القديس شربل على الجدار، قبل أن تسرق حطبة نظرك لتفكر كيف كان القديس شربل ينام على قطعة من شجرة يابسة. تفكر في لحظتها التخلي عن الوسادة التي أتيت بها إلى عنايا، لتشارك القديس شربل هذا الوجع الذي حمله سنوات طويلة من دون تذمّر.
تنام وأنت تنظر إلى التمثال الذي لا يمكن إلا أن تلمح فيه ابتسامة وحنانا رغم أنه مصنوع من الحديد والمعدن. أنت على بعد أمتار قليلة في الجسد والروح عن المقبرة الأولى التي نام فيها القديس شربل قبل أن يفوح عطر البخور ليعلن قداسته، ويتعذر عليك أن تواصل ليلتك من دون أن تشتم رائحة بخور لا تعرف من أين أتت. ربما هو عطر السماء التي تجاورها عنايا.
تخاف من العتمة، لكن قنديل مار شربل الذي أضاء غرفته بالمياه بدل الزيت، يعيد بعض الحرارة إلى قلبك. تشتاق لمحبيك ثم تتذكر كيف أن القديس شربل رفض رؤية والدته بعد دخوله الدير، لأن التسليم لله لا يحتمل المشاركة. تعيش كما لو أنك مار شربل... رغم أنك بعيد كل البعد عن القداسة... لكن ألم يبدأ مشوار يوسف مخلوف بخطوة نقلته من بقاعكفرا إلى رحاب السماء؟
تستيقظ في الصباح وتدخل إلى القداس، لتكتشف أن المطلوب منك في هذه الدنيا، ليس الاستحباس كالقديس شربل، أو العيش في الدير كما أخوته الرهبان، ولا أن تبدّل مكان الإقامة لليلة استثنائية... الفكرة أن تجد موطن صلاتك، وتثق بأن الأرض التي مشى عليها مار شربل يوما، والجدران التي اتكأ عليها وهو يهم للصلاة، سمعت نهداتك، واشتمت دموعك، ثم تتذكر قول السيد المسيح: مغفورة لك خطاياك... قم واحمل فراشك وامش...