كتب د. جورج حرب:
إنّ أصعب الأوقات التي تضع الإنسان خارج إرادته وفعاليّته هي لحظات الانتظار. يراودنا الشكّ، والارتياب، والرّفض، واللوم، وأحياناً محاولة الهروب، ولكن من يصبُر ينلْ، ومن يحتمل ينتصرْ.
في لبنان، يستفيق اللبنانيّون في كلّ صباح على شعور انتظارٍ للحلّ الميمون، ولا حلول يرَونها تلوح في الأفق، ويستفيقون على مشاعر الملامة التي يبدؤونها بأنفسهم تساؤلاتٍ أجوبتها تزيدهم إحباطًا فيهربون منها: " لمَ لم أهاجر؟ لمَ لمْ أهرّب أموالي؟ لمَ وثقت بالزعيم الفلانيّ؟ لمَ لا تنتهي هذه الأزمة؟ هل من انتخابات مقبلة؟ من سأصدّق من هؤلاء المتزعّمين؟ ما تسعيرة الدولار التي ستكون غداً؟ والمحروقات، أمتوافرة أم مفقودة؟ أسترتفع تسعيرتها أم ستنخفض؟ عدا عن تساؤلات الطلاّب عن امتحاناتهم الرسميّة، أقائمةً لا تزال أم سوف تُلغى؟ والجامعة اللبنانيّة ودكاترتها وحقوقهم والإضرابات والطلاب وسِنُوهم ومستقبلهم؟ ما مصيرهم ؟ "
إنّه المجهول، الذي حاولوا ويحاولون في كلّ يوم أن يرموا اللبنانيّين في دوّامته، ليس ضرباً من المزاح، ولا أمنية لدى رسّامي هذه الأزمة، بل من أجل أن يفقد اللبنانيّ إرادته، تماماً كمن تدور به اللعبة في مدينة الملاهي، وعند اشتداد سرعتها، يفقد توازنه وأحياناً يفقد وعيه... يريدوننا أن نفقد وعيَنا!
إنّ اللعبة السياسيّة في لبنان اليوم، قطعت شوطًا كبيراً حول الأزمة التي أصابتنا، وأسباب وجودها معروفة ولا حاجة هنا إلى البراهين، من الفساد المزروع والحراك المموّل ووسائل التواصل الإجتماعي المدروسة و الموجّهة، وفقدان الدولار من السوق وغياب مادّة البنزين والتهديد بانقطاع الطحين... علينا أن نبقى قلقِين، وفي الوقت نفسه يضعون أمام أعيننا نوراً ويقيناً وحلولاً وطريقاً واضحاً للخروج من الأزمة، ولكن بشروط : أمن إسرائيل، والثروات البحريّة، والنفوذ السياسيّ.
بوادر طرائق الحلول، تبدأ بعبارة واحدة، إنّها الحدود البحريّة الجنوبيّة مع فلسطين المحتلّة، وتعرّجاتها تمرّ بفيينّا، حيث مفاتيح الحلّ والربط بين الأميريكيّين والإيرانيّين، من دون أن ننسى الأوروبيّين والروس، وحربهم التاريخيّة في تأمين الغاز لشعوبٍ، إن طالت أزمة أوكرانيا والعقوبات الغربيّة على روسيا، فثلث أوروبّا سوف يبقى بلا تدفئة خلال شتاء 2022-2023.
إنّ مفاوضات فيينّا اقتربت من خواتيمها ، ومسؤولو الطاقة الذرّيّة في الأمم المتّحدة يشغلون أفخم فنادق طهران منذ أسبوعين، لوضع خواتيم عمليّة وعلميّة حول الاتّفاق النوويّ الذي وقّعته، نعم وقّعته إيران و الولايات المتحدة الأميريكيّة التي أفرجت حتى الساعة عن أكثر من 15 مليار دولار من الأموال الإيرانيّة المحجوزة لدى المصارف الأميركيّة، وبريطانيا تدفع منذ يومين مبلغ نصف مليار دولار لإيران كمستحقّات منذ عهد الشاه للحكومة الإيرانيّة، والأمير محمّد بن سلمان يصرّح ويعترف بجيرة إيران، وبأن لا بدّ من التوافق لمصلحة شعبَيهما، والرئيس الأسد البارحة في الإمارات العربيّة بكلّ ما تمثّله من تقاطعات أميركيّة وروسيّة وصينيّة وحتى إسرائيلية...
إنّها التسويات التي بدأت تتجسّد في لبنان بالتخلّص من رموز الأزمة المصطنعة، رموز فساد ستتقلّص كتلهم النيابيّة إلى الثلث، ورموز فساد أخرى هربت من الساحة السياسيّة إلزاماً وليس طوعاً، وحراك وأحزاب في فلكه، بدأت تتحسّس رقبتها في انتخابات، إن حصلت، سوف تشكّل "جُرصة" لها شعبيّاً وماليّاً وإعلاميّاً بكلّ ما للكلمة من معنى، من منطلق أنّهم تقاضَوا سَلَفاً مليارات الدولارات ثمن رأس رئيس الجمهوريّة وجبران باسيل والمقاومة، وعند التسليم، لا هم قادرون على إعادة المال، ولا على الوفاء بالعهود.
التسوية الآن على بساط البحث، وتغييرات جذريّة في الفلك السياسيّ اللبنانيّ سوف تحصل، أصغرها وأبسطها هي اللامركزيّة الإداريّة والماليّة التي سوف تشكّل حلاً ملموساً وعلميّاً ووطنيّاً للمعضلة اللبنانيّة المزمنة، ولو كانت التسوية على مستوى "الترقيعة البسيطة"، لما احتاجت إلى كلّ هذا الوقت، ولا إلى كلّ تلك الاتّصالات التي تحصل سرّاً ويتكتّم أصحابها على أدقّ تفاصيلها.
ولبنان، تنتظره أيّام حلوة، وثرواته في الغاز والنفط كفيلة بتحريره من الضيق الاقتصاديّ، وكلّي يقينٌ أنّ المصالح العالميّة والإقليميّة التقت هذه المرّة على قيام لبنان، فلا استثمارات بلا مجتمعات يلفّها الهدوء والأمن، ولا شركات عالميّة تستثمر بأكثر من ألف مليار دولار، تطأ أقدامها شواطئ ضبيّة أو صور أو الناقورة أو طرابلس، إن لم تُهيّأ لها البيئة الضامنة، وهذه التحضيرات تحتاج إلى الوقت، الذي نعود ونحذّر من عوارض انتظاره، التي أدخلونا فيها من دون وعيٍ، ولكن بوعينا فقط، سوف نخرج منها.
إنّ أصعب الأوقات التي تضع الإنسان خارج إرادته وفعاليّته هي لحظات الانتظار. يراودنا الشكّ، والارتياب، والرّفض، واللوم، وأحياناً محاولة الهروب، ولكن من يصبُر ينلْ، ومن يحتمل ينتصرْ.
في لبنان، يستفيق اللبنانيّون في كلّ صباح على شعور انتظارٍ للحلّ الميمون، ولا حلول يرَونها تلوح في الأفق، ويستفيقون على مشاعر الملامة التي يبدؤونها بأنفسهم تساؤلاتٍ أجوبتها تزيدهم إحباطًا فيهربون منها: " لمَ لم أهاجر؟ لمَ لمْ أهرّب أموالي؟ لمَ وثقت بالزعيم الفلانيّ؟ لمَ لا تنتهي هذه الأزمة؟ هل من انتخابات مقبلة؟ من سأصدّق من هؤلاء المتزعّمين؟ ما تسعيرة الدولار التي ستكون غداً؟ والمحروقات، أمتوافرة أم مفقودة؟ أسترتفع تسعيرتها أم ستنخفض؟ عدا عن تساؤلات الطلاّب عن امتحاناتهم الرسميّة، أقائمةً لا تزال أم سوف تُلغى؟ والجامعة اللبنانيّة ودكاترتها وحقوقهم والإضرابات والطلاب وسِنُوهم ومستقبلهم؟ ما مصيرهم ؟ "
إنّه المجهول، الذي حاولوا ويحاولون في كلّ يوم أن يرموا اللبنانيّين في دوّامته، ليس ضرباً من المزاح، ولا أمنية لدى رسّامي هذه الأزمة، بل من أجل أن يفقد اللبنانيّ إرادته، تماماً كمن تدور به اللعبة في مدينة الملاهي، وعند اشتداد سرعتها، يفقد توازنه وأحياناً يفقد وعيه... يريدوننا أن نفقد وعيَنا!
إنّ اللعبة السياسيّة في لبنان اليوم، قطعت شوطًا كبيراً حول الأزمة التي أصابتنا، وأسباب وجودها معروفة ولا حاجة هنا إلى البراهين، من الفساد المزروع والحراك المموّل ووسائل التواصل الإجتماعي المدروسة و الموجّهة، وفقدان الدولار من السوق وغياب مادّة البنزين والتهديد بانقطاع الطحين... علينا أن نبقى قلقِين، وفي الوقت نفسه يضعون أمام أعيننا نوراً ويقيناً وحلولاً وطريقاً واضحاً للخروج من الأزمة، ولكن بشروط : أمن إسرائيل، والثروات البحريّة، والنفوذ السياسيّ.
بوادر طرائق الحلول، تبدأ بعبارة واحدة، إنّها الحدود البحريّة الجنوبيّة مع فلسطين المحتلّة، وتعرّجاتها تمرّ بفيينّا، حيث مفاتيح الحلّ والربط بين الأميريكيّين والإيرانيّين، من دون أن ننسى الأوروبيّين والروس، وحربهم التاريخيّة في تأمين الغاز لشعوبٍ، إن طالت أزمة أوكرانيا والعقوبات الغربيّة على روسيا، فثلث أوروبّا سوف يبقى بلا تدفئة خلال شتاء 2022-2023.
إنّ مفاوضات فيينّا اقتربت من خواتيمها ، ومسؤولو الطاقة الذرّيّة في الأمم المتّحدة يشغلون أفخم فنادق طهران منذ أسبوعين، لوضع خواتيم عمليّة وعلميّة حول الاتّفاق النوويّ الذي وقّعته، نعم وقّعته إيران و الولايات المتحدة الأميريكيّة التي أفرجت حتى الساعة عن أكثر من 15 مليار دولار من الأموال الإيرانيّة المحجوزة لدى المصارف الأميركيّة، وبريطانيا تدفع منذ يومين مبلغ نصف مليار دولار لإيران كمستحقّات منذ عهد الشاه للحكومة الإيرانيّة، والأمير محمّد بن سلمان يصرّح ويعترف بجيرة إيران، وبأن لا بدّ من التوافق لمصلحة شعبَيهما، والرئيس الأسد البارحة في الإمارات العربيّة بكلّ ما تمثّله من تقاطعات أميركيّة وروسيّة وصينيّة وحتى إسرائيلية...
إنّها التسويات التي بدأت تتجسّد في لبنان بالتخلّص من رموز الأزمة المصطنعة، رموز فساد ستتقلّص كتلهم النيابيّة إلى الثلث، ورموز فساد أخرى هربت من الساحة السياسيّة إلزاماً وليس طوعاً، وحراك وأحزاب في فلكه، بدأت تتحسّس رقبتها في انتخابات، إن حصلت، سوف تشكّل "جُرصة" لها شعبيّاً وماليّاً وإعلاميّاً بكلّ ما للكلمة من معنى، من منطلق أنّهم تقاضَوا سَلَفاً مليارات الدولارات ثمن رأس رئيس الجمهوريّة وجبران باسيل والمقاومة، وعند التسليم، لا هم قادرون على إعادة المال، ولا على الوفاء بالعهود.
التسوية الآن على بساط البحث، وتغييرات جذريّة في الفلك السياسيّ اللبنانيّ سوف تحصل، أصغرها وأبسطها هي اللامركزيّة الإداريّة والماليّة التي سوف تشكّل حلاً ملموساً وعلميّاً ووطنيّاً للمعضلة اللبنانيّة المزمنة، ولو كانت التسوية على مستوى "الترقيعة البسيطة"، لما احتاجت إلى كلّ هذا الوقت، ولا إلى كلّ تلك الاتّصالات التي تحصل سرّاً ويتكتّم أصحابها على أدقّ تفاصيلها.
ولبنان، تنتظره أيّام حلوة، وثرواته في الغاز والنفط كفيلة بتحريره من الضيق الاقتصاديّ، وكلّي يقينٌ أنّ المصالح العالميّة والإقليميّة التقت هذه المرّة على قيام لبنان، فلا استثمارات بلا مجتمعات يلفّها الهدوء والأمن، ولا شركات عالميّة تستثمر بأكثر من ألف مليار دولار، تطأ أقدامها شواطئ ضبيّة أو صور أو الناقورة أو طرابلس، إن لم تُهيّأ لها البيئة الضامنة، وهذه التحضيرات تحتاج إلى الوقت، الذي نعود ونحذّر من عوارض انتظاره، التي أدخلونا فيها من دون وعيٍ، ولكن بوعينا فقط، سوف نخرج منها.