NOW
ليس انخفاض مستوى الحساسية الأخلاقية التي تقف وراء الحملة العونية على مي شدياق تفصيلاً، ذاك ان العونية مرشحة دائماً لانزلاقات أخلاقية. لقد بدأت الحملة على مي شدياق المرشحة للانتخابات النيابية عن المقعد الماروني في كسروان، من خلال عبارة أطلقتها ناشطة عونية اسمها نيكول بخعازي كتبت على صفحتها على "فايسبوك" العبارة التالية: "إن ترشّح مي شدياق في كسروان لن يمر لأنه مخالف للدستور. لكسروان وحسب الدستور خمسة نواب وليس 4 نواب ونصف"، في إشارة منها إلى ما أصاب مي شدياق جراء التفجير الذي استهدفها والذي أدى إلى بتر ساقها ويدها.
عبارة الناشطة حظيت بإعجاب عوني، فانهمرت عليها الـ"لايكات"، وتناقلتها الصفحات، فيما لم يرف جفن واحد لتكتل "الإصلاح والتغيير" حتى موعد كتابة هذه الكلمات.
والقول إن العونية مرشحة دائماً لانزلاقات أخلاقية ليس افتراء، وهو ليس قولاً سجالياً، أو جزءاً من حفلة شتم وشتم مضاد، فلهذا النوع من التهافت الأخلاقي فروع معرفية تتولى تفسيره وتبديد الحيرة التي يُخلفها تكراره، خصوصاً اذا كان مصدره "لاوعياً" جماعياً يمسك بوجدان كتلة فاعلة سياسياً واجتماعياً.
لا يخلو الميل إلى تفسير العونية بحادثة من هذا النوع من تعميم وظلم. لكن تكرار الوقائع يملي سعياً وراء تفسير كهذا. المؤتمرات الصحافية للجنرال ميشال عون غالباً ما تنتهي بعبارات تنتمي إلى هذا الحقل الكلامي. بعض برامج "أو تي في" ليس بعيداً من قاموس عامي مبتذل. صحافيو الجنرال في مقالاتهم ومقولاتهم الغرائزية، تلك التي لا تخفف السياسة عنفها اللفظي، ليسوا بعيدين من هذا الدرك. ووجوه العونية في الوزارة والبرلمان بدءاً بجبران باسيل وانتهاء بنبيل نقولا، لا يشذّون عن هذه الظاهرة.
نحن اذاً أمام ترسانة من الابتذال... وأمام ظاهرة انزلاق الرجل (أو المرأة) متوسط المعرفة والذكاء إلى غريزة لم يتولَّ تعليمٌ كافٍ تثقيفها وتهذيبها.
ما هي العونية اذاً؟ هل هي صورة عن انحطاط الأوضاع بالمسيحيين اللبنانيين؟ لا... لا يكفي تصدع بنية سياسية واجتماعية لكي يُنجب خطاباً على هذا القدر من الانكشاف والسفور.
إنها في الأغلب اللحظة التي التقى فيها انحطاط الأوضاع بالمسيحيين الجبل-لبنانيين، برجل قادم إلى السياسة من الجيش. الجيش وحده لا يُنجب هذا العقوق، والمسيحيون كان من الممكن ان يعالجوا ما ألحقته بهم الحرب بوسائل مختلفة. إذاً العونية إنجاز من مركَّبَين سالبين.
والحال إن ميشال عون يستطيع أن يقول إن "في سورية حرية، والدليل ان المواطن السوري يستطيع ان يشتري لحماً من أي مكان يريده"، والناشطة العونية تستطيع أن تقول أيضاً إن لكسروان خمسة مقاعد وليس أربعة مقاعد ونصف مقعد.