الربيع المصري النازف!

ما معنى حديث المجلس العسكري المصري عن تأليف "لجنة لتقصّي الحقائق" في مذبحة ماسبيرو اذا كان موكب تشييع عدد من الضحايا الأقباط قد تعرض صباح أول من امس لهجوم بالحجارة والزجاجات الفارغة وعلى اعين رجال الأمن، بينما كان في طريقه من الكاتدرائية المرقسية الى مدينة 6 اكتوبر؟
لا معنى لهذا اطلاقاً. فقياساً بالأسلوب الذي اتبعه المجلس في معالجة هذه المذبحة، يستطيع المراقب القول انها ستكون لجنة "لإقصاء الحقيقة" التي ماتت دهساً هي ايضاً تحت الآليات العسكرية التي اجتاحت المتظاهرين الأقباط.

عندما جلس البابا شنودة صامتاً وجريحاً امام نعوش ابنائه القتلى، هل كان يعرف مثلاً ما لا يعرفه المجلس العسكري، عندما قال "ان غرباء اندسوا على المسيرة وارتكبوا الجرائم التي ألصقت بالأقباط"؟ اذا كان المجلس لا يعرف هؤلاء المندسين الذين عادوا وكمنوا لموكب التشييع ورشقوه بالحجارة فتلك مصيبة على مصر وثورتها والمستقبل، اما اذا كان يعرفهم فالمصيبة اعظم !

وعندم يقول شنودة: "ان الأقباط لهم مشاكل تتكرر من دون محاسبة المعتدين ومن دون تنفيذ القانون أو وضع حلول جذرية لتلك المشاكل"، فان ذلك يجعل الحديث عن لجان التحقيق مسخرة المساخر، وخصوصاً اذا تذكرنا ان التعديات على الأقباط قد ازدادت منذ سقوط حسني مبارك وهو ما يدفع الى طرح السؤال :
هل ان الديكتاتوريات وانظمة القمع هي الوحيدة التي يمكن ان تحمي الأقليات في هذا الشرق البائس؟ وهل ان الديموقراطية التي تقرع طبولها جزافاً على ما يبدو في المنطقة، تستطيع ان تجد مكاناً لهذه الأقليات، ام انها ستجد طريقة لعزلها وإبعادها؟
ثم اذا كانت طلائع "الربيع العربي" في مصر، البلد المميز وفي تاريخه العريق ارث من "سيكولوجيا الارتقاء في الحضارة الفرعونية"، وفي ذاكرته محطة مضيئة تركتها ثورة 1919 وشعار" الهلال مع الصليب" الذي رفعه سعد زغلول ومكرم عبيد، اذا كانت هذه هي طلائع "الربيع المصري" فان الوضع ينبئ بشتاء دموي طويل في مصر والمنطقة كلها.

لقد كان مؤسفاً تماماً لا بل فاضحاً، ان يظهر الاعلام المصري اسوأ بكثير مما كان ايام مبارك، عندما انطلق في اذاعة بيانات عن سقوط قتلى من العسكريين في ماسبيرو، وفي دعوة المواطنين الى مساندة الجيش ولكأنه يخوض "حرب العلمين"، ثم سرعان ما تبين ان الآليات العسكرية كانت تدهس المتظاهرين في الشارع، وانها "لم تتنبه" للبلطجية الذين رشقوا التظاهرة واطلقوا النار على الجيش فكانت المذبحة، كما انها لم تحتط لحماية موكب التشييع الذي تعرض للاعتداء !

عملياً، لم يكن المجلس العسكري وحكومته السعيدة في حاجة الى اصدار بيان خشبي بلا معنى، يلقي المسؤولية على المؤامرة، فالربيع المصري ينزف الآن ايضاً في ماسبيرو!