النهار
على رغم أهمية الحسابات المباشرة للافرقاء المحليين في خطوة تمويل المحكمة الخاصة بلبنان، ربحاً وخسارة، يبقى الأبرز في موازة ذلك، بالنسبة الى مراقبين ديبلوماسيين، ما يتصل بوضع النظام السوري وأدائه في هذا السياق. اذ ان هذا النظام كان شريكا أساسياً ومحورياً في إسقاط الحكومة السابقة لاعتبارات متعددة من بينها في شكل أساسي إسقاط المحكمة. وكان في الاشهر القليلة الماضية سلّم لقيادة "حزب الله" في لبنان بحرية التصرف في التمويل تاركاً لنفسه هامشاً في حال مراجعته انه ليس ضد تمويل المحكمة، ولكن القرار للحزب في هذا الاطار. ومع تمرير الحزب التمويل على رغم ادراج الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله هذا القرار في خانة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وحده، في حين أن نواب "التيار الوطني الحر" سارعوا الى التوضيح ان التسوية حصلت بين كل افرقاء الحكومة تحت الطاولة، إتجهت أنظار المراقبين نحو قراءة وضع النظام السوري بمقدار قراءة تداعياته على لبنان وعلى احتمالات تغييرات بنيوية أساسية فيه.
ولعلّها من المرات النادرة التي لا تتم قراءة خطوة بأهمية خطوة تمويل المحكمة في ضوء المقايضات في الاوراق التي يتقنها النظام السوري في محيطه الاقرب في معرض توجيهه رسائل للغرب أو للعرب، أي مدى قدرته على ضبط حلفائه ومحاولة بيع ذلك للدول المؤثرة المهتمة . بل ان هذه القراءة تتم على وقع مدى حسن استخدام النظام للاوراق التي لا يزال قادراً على التحكم فيها من أجل تأمين استمراريته ومواجهته للضغوط التي تثقل عليه من الخارج الاقليمي والدولي، والذي يشكل بقاء الحكومة اللبنانية بتركيبتها الحالية في السلطة مسألة حيوية وجوهرية كبيرة بالنسبة اليه. وعلى رغم أن الرسائل التي استخدمتها سوريا تحدثت عن الحرص على "استقرار" لبنان وفقاً لكلام نقل عن الرئيس السوري بشار الاسد او عن السفير السوري في لبنان عبد الكريم علي، لا يتجاهل المراقبون المعنيون إمكان السعي الى الاستفادة من الخطوة لجهة نقض الانطباعات عن مخاوف من تفجير للوضع اللبناني، تبعاً لتداعيات الوضع السوري، وتوجيه رسائل مناقضة بحيث يمكن داعمي النظام الأستمرار بالدفاع عنه من هذه الزاوية، كما هي الحال بالنسبة الى روسيا مثلا. لكن هؤلاء المراقبين يخشون ان هذه الاوراق وكل الاوراق المماثلة لم تعد فاعلة وفات أوانها.
وهذا التطور فتح الباب على تساؤلات كبيرة تتصل بمدى تأثير المزيد من التداعيات السورية على لبنان، ومدى التحول الذي ستدخله على المشهد السياسي اللبناني. وقد لفت هؤلاء المراقبين خلو الشروط التي رفعها السيد نصرالله الى الرئيس ميقاتي من إدخال تعديلات على الاتفاق الموقع مع الامم المتحدة حول المحكمة، فيما يكثر الكلام عن نية استكمال المعركة ضد المحكمة في آذار المقبل لدى حلول أوان التمديد لعمل المحكمة. وإقتصرت هذه الشروط التي رفعها الامين العام للحزب على دعم تلبية مطالب التيار الوطني الحر واعادة احياء موضوع ما يسمى "شهود الزور" على نحو مفاجىء بعد مضي تسعة أشهر من عمر الحكومة، علما أن هذا الموضوع كان الذريعة لإطاحة الحكومة السابقة، وطوي على أثرها من دون أي إشارة اساسية له حتى الآن. وقد انتظر وزراء ونواب ان يكون موضوع التمديد هو ربط النزاع الذي كان سيحدثه الامين العام للحزب في مقابل تمرير التمويل، لكن يبدو انه سيكون هناك قراءة متأنية لذلك في ضوء التطورات السورية قبل الخوض في هذا السياق بعد تقويم للخسائر نتيجة المواقف المعلنة السابقة. وهذه النقطة، أي تقويم الوضع والموقع في ضوء التطورات في المنطقة، ولا سيما منها التطورات السورية، وبعد حسم الصراع على تمويل المحكمة مستمر لاكثر من عامين ( باعتباره قائماً منذ أيام الحكومة السابقة) تشكّل أساساً لا بد منه للمرحلة المقبلة لكل الافرقاء في لبنان وليس لـ"حزب الله" وحده.
إلا أنه في موضوع إدخال تعديلات على الاتفاق حول المحكمة، وليس البروتوكول وفق ملاحظة لمسؤولين دوليين في هذا الاطار، لا يخلو الأمر من صعوبة، إذ ليس في استطاعة الهيئة العليا للاغاثة التي تم اللجوء اليها للتمويل ان تقدم تعديلات الى الامين العام للامم المتحدة، بل هي الحكومة اللبنانية. وإذا كان التمويل لبنانياً داخلياً، فالإتفاق على المحكمة يتشارك فيه لبنان ومجلس الامن. ولذلك الموضوع مفتوح على احتمالات ليس أقلها تأثير التطورات السورية كما حصل بالنسبة الى التمويل، مع إصرار المراقبين على عدم جواز الاستهانة بهذا العامل في ظل تسارع هذه التطورات. وتتفّق آراء سياسية وقانونية محلية وخارجية على أن هذا الباب غير مفتوح في الاساس، ما لم يكن عنصراً يستحضر في إطار الخلافات الداخلية. فالبند 21 من الاتفاق حول المحكمة، الذي يتحدث عن مدته يفيد بان هذا الاتفاق يبقى فاعلاً لمدة 3 سنوات من تاريخ بدء عمل المحكمة، وأنه بعد 3 سنوات على ذلك، يعود الى الأطراف بالتشاور مع الامين العام للامم المتحدة النظر في تقدم عمل المحكمة. وإذا كانت أعمال المحكمة لم تنته خلال مهلة السنوات الثلاث، فيمدد العمل بالاتفاق من أجل إتاحة المجال لها لمتابعة عملها لمهلة او مهل اضافية يحددها الامين العام للامم المتحدة بالتشاور مع الحكومة اللبنانية ومع مجلس الأمن، الأمر الذي يعني أن هذه المهلة وحدها هي ما يتم التشاور في شأنه وفق مجموع هذه الآراء. لكن اذا كانت هناك نية لدى الحكومة اللبنانية لملاحظات او تعديلات على الاتفاق ترفعها الى الامين العام، فان المسألة ستخضع لموافقة اعضاء مجلس الامن ولا سيما الدائمين منهم. ومع أن كل الدول بما فيها روسيا تحرص على عمل المحكمة وفقاً لما أعلنت مراراً في الاشهر الاخيرة على رغم معارضة قوى 8 آذار، فإن باب المقايضة قد يفتح على غاربه إذا كان الموضوع جدياً خصوصاً أنه بات لدى الغرب الكثير مما يقايض به روسيا، وفي طليعة ذلك وضع النظام السوري.