موسيقي سوري... "استغاث" لبيروت فألهمَتْه!
10 Aug 201516:37 PM
موسيقي سوري... "استغاث" لبيروت فألهمَتْه!

قبل سنتين، في «مدينة النبك» السورية عاش الموسيقي والمغني السوري أنس المغربي حصاراً خانقاً لمدة أسبوع كامل لن ينساه، وتحديداً يوم احتُجِزَ داخل مقهى للإنترنت هناك بسبب القصف العشوائي، وفي لحظة إغلاق صاحب المحل للأبواب بدأت الأفكار تتزاحم في رأسه «هل من الممكن لهذه الهستيريا أن تنتهي قريباً؟ كم من الوقت سنبقى محاصرين؟ هل أعيش حتى الغد»؟ وحيداً...محاطاً بالموت جلس هناك مجرداً من ماضيه ومستقبله، لا يمتلك سوى الحاضر و «فلاش ميموري» يحفظ عليها تسجيلاً بدائياً لإحدى أغانيه التي تحكي عن حال أهل بلده آنذاك، وبما أن الموت قريب جدا، قرر أنس أن يُحمّلها على الإنترنت ليسمعها العالم كله، وبعد دقائق ظهرت له على الشاشة كلمة «تم التحميل» قبل ثوانٍ من انقطاع التيار الكهربائي عن المدينة كلّها.
أنس ابن مدينة النبك دخلها قبل أيام من حصارها ليودّع أهله بعد قراراه السفر إلى بيروت نهائياً، فبقي محتجزاً فيها إلى أن استطاع الهرب إلى دمشق، وفور وصوله إليها كتب على صفحته على «الفيس بوك»: «ولدت من جديد في دمشق» ومن دمشق إلى بيروت متيقناً من أنه لن يعود قريباً، يقول: «كنت مؤمناً بالتغيير في بلدي، خرجنا حينها نصرخ ونعبِّر بطرق سلمية، ولكن مع ارتفاع صوت السلاح لم تعد تلك معركتي.. فأنا موسيقي، لذلك ارتأيت السفر علّني أخرج بنتاج موسيقي يؤثر إيجاباً في الناس.. قررت أن ألاحق الضوء أمامي من دون الالتفات إلى الوراء».

 

قبل مغادرته دمشق أنشأ على «الفيس بوك» صفحة، وحمَّل عليها عدداً من أغانيه، يضيف: «في بداية الثورة كتبت عدداً من الأغاني وقررت بعد فترة أن أسجلها ولو بطرق بدائية وأحمِّلها على الإنترنت» كانت الموسيقى خياره للمقاومة إلا أنه اختار اسماً وهمياً للصفحة هو «خبز دولة» تجنباً لأي ردة فعل ممكنة حينها يقول «كل شيء كان متوقعاً برغم أن كلماتي لم تحمل يوماً أي فكر متطرف».
بعد توافر الأغاني على الانترنت اتصل به صديقه الموسيقي السوري محمد باظ من بيروت ليقنعه أن يغادر إلى هناك، وفعلاً في بيروت بدأ أنس مع أصدقائه التحضير لألبومهم الأول، وتدريجياً تعرفوا على موسيقيين لبنانيين، يضيف أنس: «على العكس من توقعاتي وجدت في بيروت تعاوناً من الموسيقيين اللبنانيين، ولم أشعر للحظة بأية فروق فيما بيننا حتى لو اختلفنا بالجنسية أو الدين أو الرأي السياسي».
حصل على منحتي «آفاق» و «المورد الثقافي»، فاكتمل التمويل اللازم لتسجيل الألبوم إلا أن الفرقة لم تكن قد اكتملت بعد، ولكن بوصول صديقهم الموسيقي بشار درويش إلى بيروت اكتمل النقص فأسسوا فرقة أطلقوا عليها وعلى ألبومها الأول اسم «خبز دولة» يقول أنس: «يحكي الألبوم قصة شاب سوري عاش تجربة الربيع العربي وتحديداً انتفاضة السوريين، ولكنه يروي القصة من وجهة نظر إنسانية بعيداً عن أي توجه سياسي، كما أن نهاية الألبوم مفتوحة وللمستمع حرية اختيار النهاية التي يرتأيها».

 

خبز الدولة في سوريا يعرفه السوريون جميعاً، هو خبز الأفران الحكومية الذي لطالما ارتبط وجوده لديهم بوجود الاستقرار والأمان والكرامة في البلد، يضيف: «خلال الأربع سنوات الماضية استنتجت بأننا نحن خبز الدولة، وليتحقق حلمنا بدولة ديموقراطية مدنية تعددية لكل مواطنيها علينا نحن أن نجهز كسوررين أولاً».
يحتوي الألبوم على إحدى عشرة أغنية مؤداة بصوت أنس، صوته الذي ربما صقلته ومنحته اتساعاً تجربة غنائه طفلاً مع فرقة إنشاد ديني في مدينته النبك. سيتم إطلاق الألبوم في حفل بمطعم مزيان الواقع في شارع الحمراء يوم 12 من شهر آب الحالي، وسيتخلل الحفل جلسة استماع للألبوم مع عرض مرئي من أرشيف الفرقة، يتبعه عزف حي برغم سفر اثنين من أعضاء الفرقة إلى تركيا، سيشارك بالعزف كل من بشار درويش وداني شكري بالإضافة إلى الضيفين خالد عمران وطارق خلقي العازفين في فرقة «طنجرة ضغط» السورية والتي لم تتأخر عن تقديم الدعم والمساندة لفرقة «خبز دولة».
اليوم تحاول الفرقة بإنجازها البسيط هذا أن تترك أثرا ليس موسيقياً فقط وإنما اجتماعياً أيضاً، وذلك بمحاولتهم من خلال عملهم تغيير الصورة النمطية الرجعية الموجودة في الأذهان عن اللاجئ السوري في لبنان.
بعد انتهاء الحفل بأيام قليلة سيغادر أنس المغربي بيروت ليلتحق بشركائه الذين سبقوه إلى تركيا ومن هناك سينطلقون إلى بلدٍ أوروبي ليكون محطة لجوئهم الثانية بعد بيروت، يقول أنس: «تجربتي هنا جعلتني أعيد النظر بكل شيء... بطاقاتي وطموحاتي، ففي بيروت لا يملك أحدنا إلا نفسه ورصيده.. كلمات ألبومي الثاني باتت جاهزة وإلهامي كان بيروت».

 

 

المصدر: جريدة "السفير"