13 Feb 201607:44 AM
في حضرة الضجيج!

حبيب فياض

السفير

تختصر صورة المرأة الأفغانية فرخندة ملك زادة، التي قتلتها الجماهير الغاضبة في أحد أسواق كابول، مشهد العنف القائم في المنطقة بكل تفاصيله وأبعاده. المرأة قتلت لأن أحد المشعوذين اتهمها زورا بالإساءة للقرآن بعدما فضحت أمره بالاحتيال على الناس، فاجتمع عليها الناس وانهالوا عليها ضربا وركلا وطعنا ثم رجما بالحجارة حتى الموت.
ليس الدين عاملا حصريا في توليد العنف لدى شرائح واسعة من الناس. التدين قد يشكل عنصرا إضافيا في جعل بعض المتدينين أصحاب نزعة عنفية تدفع بهم إلى العصبية والقتل، لكن العنف بما هو ظاهرة جماعية، ليس حكرا على الجماعات الدينية، بل هو حالة غير جهوية وتكاد تكون صفة ملازمة لغالبية العامة من الجماهير. فالذين يمارسون العنف على خلفية عصبية دينية، يقابلهم من يمارسه لعصبية قومية أو أيديولوجية أو عرقية أو حزبية.. على أن ما يتقاطع عنده الجميع هو عصبية الجهل والعنف التي غالبا ما شكلت سمة بارزة في العقل الجماهيري.
لا يتعدى دور غوستاف لوبون في كتابه سيكولوجية الجماهير وصف ما هو مشهود من أخلاق الجماهير واعادة تظهيرها وفق منهج منظم. يرى المؤلف أن الجماهير غالبا لا تعقل، وتنساق خلف الغريزة بعيدا من التدبر والروية، وتبادر إلى رفض الأفكار وقبولها دفعة واحدة، من دون أن تتحمل مناقشتها. فهي لا تعرف غير العنف الحادّ شعوراً. تعاطفها أشبه بالعبادة، ولا حد يفصل لديها بين الكراهية والعنف، وبمجرد أن تنفر من أمر ما حتى تسارع إلى كرهه.
في الأساس، لا يمكن الفصل بين العقل الجمعي وعلم نفس الجماهير، باعتبار كون الأول مرتبطا بظاهرة النفس الجماعية في حالتي المرض والصحة. النسخة الهابطة من العقل الفردي أكثر قدرة على تلبس الجماهير بعقلها الجمعي، حيث يصبح هذا الأخير مجرد أداة لتبرير انجراف الجماهير غريزيا وخلق مسوغات لتطرفها. الجماعة في طورها الغريزي أقرب شبها إلى الفرد الأكثر تشوها. كما أن الفرد الأكثر حكمة واعتدالا أبعد ما يكون عن الجماعة. العقل عندما يخرج عن فردانيته ويتحول الى الجماعة يصبح أقرب الى الغريزة، وعندما يستوطن في الجماهير ينزع نحو العنف والجريمة. ذلك أن العقل بصيغته الجماهيرية غالبا ما يتشكل من عقول صغيرة متحدة بشوائبها وطاردة لعقلانيتها.
في حالة تفلت الجماهير من عقالها يرتفع منسوب الجهل وتنخفض الطاقة على التفكير. فيغيب المميز في المتجانس، ويتلاشى الوعي في حضرة الضجيج.
يروي والد فرخندة أنها كانت ملتزمة بالإسلام منذ طفولتها وكانت تدرس لتصبح معلمة دين، و «كانت تذهب إلى المسجد منذ أن كانت في السابعة من عمرها لتعلم القرآن فحفظته عن ظهر قلب، وكانت تحرص دوما على مساعدة الفقراء لا سيما النساء منهم». يضيف: «شاهدت فرخندة يوم الواقعة نساء يرتعشن من البرد، فذهبت في المرة التالية وأخذت معها سترة شتوية كي تعطيها لإحدى السيدات هناك»، فيما كشفت تحقيقات الشرطة الأفغانية أن معظم الذين شاركوا في قتلها أميون لا يقرأون ولا يكتبون.
لم تخرج عنفية الجماهير عن كونها سنة تاريخية. عنف العامة وجد قبل أن تثور الجماهير على سقراط والخروج لقتال الإمام الحسين والتجمهر لإعدام الحلاج، وسيبقى الى ما بعد رجم فرخندة الأفغانية.