يحلّ عيد الأمهات اليوم، حاملاً فرحاً لكثيرين وكثيرات، وحسرةً لمن فقدن أمهاتهم أو أبعدتهم الظروف عنهنّ. في هذه السطور، كلمات من أمٍّ غير كلّ الأمهات.
ها هي أعوامنا العشرة مرّت ولم تحن الساعة بعد... ها هي أعوامنا العشرة مرّت ولا يزال بيتنا "فارغاً"، مغلقاً، لا معنى له... ها هي أعوامنا العشرة مرّت وأنا أسمع كلّ يوم "شو ناطرين؟ عم تتكبّروا عالنعمة؟". كلمات لطالما واجهتُها بابتسامةٍ بسيطةٍ خارجيّة وحرقة داخليّة لم أكن أحسب لها حساباً في حياتي. نعم فأنا المرأة التي لا تُنجب أطفالاً.
ماذا أكتب؟ أأخبركم عن طبٍّ عاجزٍ لم يسعفني رغم تطوّره البالغ؟ أم عن حسرة عشتها منذ ارتديت ثوبي الأبيض المفرح و"يا فرحة ما تمّت"؟ فالزواج له أهداف كثيرة أبرزها الإنجاب لاستمراريّة النسل. أأخبركم كم من مرّة حُرمت عيوني النوم وأنا أفكرّ وأفكرّ من دون جدوى... حتى أتى اليوم الذي اشتهيت فيه "التبنّي". لكن، مهلاً. الأمر ليس شائعاً في مجتمعي وبعض الطوائف تحرّمه في ظلّ غياب قانونٍ مدنيٍّ يرعى حقّ الأفراد فيه وبالتالي يخضع لقانون الأحوال الشخصيّة، كي أتردّد وأعود أدراجي من جديد، فسيعيّرونه بعقمي، سيسخرون من أصله وفصله، سيرجمونه رجماً هالكاً فقط لأنّه ليس من رحمي... لكنّني اتّخذت قراري.
ماذا أكتب؟ أأخبركم عن الطفل الذي رأيته يمشي خطواته الأولى في مناماتي. رأيت عيونه البريئة التي لا تشبه عيون اطفال الأرض كلّها، وتخيّلت صوته الرقيق أيضاً الصادر من شفاهه الصغيرة وشعره. يا ليتكم لمستم نعومة شعره... طفلٌ حلمته ألف مرّة ومرّة حتى أصبح كابوساً لا يفارقني، يراودني كظلّي في الضوء، يهدم حيلي مع كلّ "يا حرام ما بتجيب ولاد" ويُطيحني أرضاً مع كلّ "يلي عند الله مش عند حدا"، أتراه يسمع إستغاثتي ولوعتي؟ لكنّني اتّخذت قراري.
ها هي الأعوام العشرة مرّت حتى جاء ذاك اليوم الذي سمعت سيّارة نبيل تُركن بوهلة غريبة، ركضت على نافذتي فرأيته يركض ويرنّ الجرس بجنون، لربمّا نسي أنّ بجيبه مفتاح بيتنا "نورا يا نورا، افتحي بسرعة يا حبيبتي، افتحي الباب فراس جايي"... فراس، حلمي وروايتي...
ها أنا قلت لكم إنّني اتخذت قراري بـ"التبنّي". سأكتب وأخبر عن الابن الذي بكى وضممته إلى حضني بشدّة "تقبر قلبي ماما أنا هون". سأخبر عن الابن الذي ضَعُفَ فقوّيته بشغفي، وحَزِنَ فأضحكتُه بلعبي. عن الابن الذي حمّلني همّ الجبال فواجهتها صامدة، حرّة بأمومتي. سأدوّن في مذكراتي أجمل قصّة عمّن سمح لي أن أكون "أمّ فراس".