دوللي بشعلاني
الديار
الكثير في لبنان كان يُطالب الحزب بتسليم مواقعه الدفاعية للجيش اللبناني، رغم علمه بأنّه غير جاهز عسكرياً لحماية حدوده كافة وسائر المناطق الداخلية، ولطالما شكّل سلاح الحزب حجّة على أنّه "فزّاعة" للداخل ومادة دسمة لا بدّ من مناقشتها على طاولة الحوار لدى البحث في الاستراتيجية الدفاعية للبنان. اليوم قرّر الحزب الإنسحاب من هذه البقعة في خطة أولى، قد يتبعها خطوات لاحقة، على ما تعتقد، تصل ربما الى الإنسحاب في سوريا. والسؤال هنا: هل هذا ما تريده قيادة الجيش، وهل ستكون بالتالي محصّنة عسكرياً بالأسلحة اللازمة والعتاد المتطوّر لأداء مهمّتها على أكمل وجه؟! وما سيكون عليه ردّ فعل الحكومة، هل ستُثني على هذا القرار وتُشجّع الحزب على المضي في تسليم الجيش كلّ مواقعه الدفاعية على سائر الأراضي اللبنانية؟!
وفي ما يتعلّق بمبادرة السيّد نصرالله بالتحاور مع النظام السوري بهدف الشروع في تأمين عودة النازحين السوريين من عرسال الى المناطق المستقرّة في بلادهم، فلماذا لا تتلقّفها حكومة الرئيس سعد الحريري الحالية التي تريد تحقيق العودة لجميع النازحين على أرضها، على ما تساءلت، لكنها لا تزال حتى الآن ترفض التفاوض مع النظام السوري لاعتبارات كثيرة وتلجأ الى المجتمع الدولي لمساعدته على حلّها في الوقت الذي لا يُحرّك فيه ساكناً قبل إيجاد الحلّ الشامل للأزمة السورية؟ وتجيب بأنّ "حزب الله" كونه شريكاً في الحياة السياسية اللبنانية، أكان في الحكومة أو في مجلس النوّاب الذي لم تنتهِ ولايته بعد، يمكنه بكلّ سهولة إجراء الحوار مع الجانب السوري حول هذا الموضوع. والمطلوب هو أن يجري تفويضه رسمياً بهذه المهمة من قبل الحكومة، علّها تفتح الباب تدريجاً أمام تحقيق عودة كلّ النازحين السوريين في لبنان.
فالمتضرّرون اليوم من وجود النازحين السوريين في بلداتهم، لا سيما قرى الحدود اللبنانية- السورية، هم من الطوائف كافة، لكي لا يتمّ اتهام السيد نصرالله بأنّه يُدافع عن الشيعة فقط، أو يستعيد لهم حقوقهم. فهناك المسيحيون والسنّة الذين يُعانون من هذا الوجود المؤقّت الذي بات يُقلق راحتهم ويمنعهم من استكمال حياتهم بشكل طبيعي. علماً أنّ أبناء هذه القرى هم من المحرومين أساساً من اهتمام الدولة بهم وبشؤونهم، ولم يصلهم شيء من الإنماء المتوازن الذي نصّ عليه اتفاق الطائف وتعد الحكومات المتعاقبة على تطبيقه.
وعلى ما يبدو من أداء السيّد نصرالله الأخير فإنّ "حزب الله" ليس مسيطراً على القرار العسكري ولا السياسي في لبنان، على ما عقّبت الأوساط نفسها، على ما يحاول البعض أن يوهم الجميع، وإلاّ لما كان حالياً في انتظار ردّ الحكومة على اقتراحاته بعد أن أظهر حسن نيّته في تسليم بعض مواقعه الدفاعية للجيش، واقترح مساعدة الحكومة في تحريك ملف عودة النازحين السوريين الى بلادهم. علماً أنّ الحزب لم يترك مواقعه ليُظهر أنّ الجيش اللبناني غير قوي أو غير متمكّن عسكرياً نظراً لافتقاره الى الأسلحة اللازمة، على العكس تماماً. كما أنّه سيبقى حاضراً للتدخّل ومساندته في اللحظة المناسبة لا سيما عندما يطلب منه الجيش المساعدة على الصعيد العسكري.
وبرأيها، فإنّ المعركة عند الحدود الشرقية قد تكون انتهت ولم يعد هناك حاجة لوجود عناصر المقاومة، لهذا قرّر الحزب سحبهم للمشاركة ربما في مواقع أهمّ، أو لعلّها خطوة أولى تتبعها خطوات إنسحاب تدريجية من بعض المواقع التي يُمكن للجيش والأجهزة الأمنية تغطيتها بشكل كامل، على أن يبقى حاضراً وجاهزاً عند الجبهة الجنوبية في حال قرّرت إسرائيل إشعالها من جديد، على ما تُهدّد من وقت لآخر. علماً أنّ كلّ المعلومات تستبعد اليوم نشوب أي حرب جديدة بين الجانب الإسرائيلي و"حزب الله" نظراً لما يحصل من أزمات في دول المنطقة وانتظار الحلول المناسبة لها.
ونفت أن يكون لقرار السيّد نصرالله هذا أي علاقة بالمشروع الذي سيبحث قريباً في الكونغرس الأميركي والذي يحمل عنوان "تعديلات مرسوم حظر التمويل الدولي لـ "حزب الله" 2017" الذي من شأنه أن يفرض عقوبات جديدة ليس على الحزب فحسب إنّما على جميع حلفائه المباشرين وغير المباشرين في الداخل والخارج، ما قد يُدخل البلاد في أزمة كبيرة إذا لم يتمّ أخذها على محمل الجدّ والتصدّي لها سريعاً.
وأفادت بأنّ الحزب يستطيع عدم الإلتزام بأي قرار أميركي يتعلّق به لا سيما وأنّه لا يعترف أساساً بسياسة الولايات المتحدة الأميركية، غير أنّه لا يُمكنه أن يمون على الحلفاء لا سيما إذا ما كانوا مؤسسات وشركات لها مصالح مالية واقتصادية معها، ولا على الأحزاب التي تربطها علاقات سياسية بها، ولا تريد ربما أن تزعزعها. كذلك فإنّ الدولة اللبنانية التي ترتبط بعلاقات ديبلوماسية وسياسية مع أميركا، قد لا يُمكنها بالتالي تجاهل تطبيق القرار الذي سيتخذه الكونغرس الأميركي قريباً في هذا الشأن، رغم أنّ ما قد ينجم عنه سيكون خطيراً كونه قد يطال شخصيات سياسية رفيعة المستوى في لبنان.
العنوان بتصرّف