عصام نعمان
الخليج الإماراتية
“إسرائيل” تشعر بالقلق إزاء صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة في عدد من الدول العربية، ولاسيما في مصر . صحيفة “يسرائيل هَيوم” (3-1-2012) كشفت مداولات مجلس الأمن القومي، المسؤول عن تقديم التقديرات والتوقعات والتوصيات إلى رئيس حكومة “إسرائيل” ووزرائه، وكانت أبرزها دعوة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى “أن يغيّر تعاطيه الساذج مع صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة في العالم العربي” .
مجلس الأمن القومي كان ناقش في الأسبوع الأخير من العام المنصرم خلال ندوة بعنوان “تحدي صعود الإخوان المسلمين وتوابعهم” هذا الموضوع، حيث أبدى أعضاؤه المشاركون القلق إزاء مفاعيل وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة، وذلك في ضوء المواقف والتصريحات الصادرة عن قادتهم .
يتضح مما كشفته الصحيفة “الإسرائيلية” أن تقدير مجلس الأمن القومي أن الإخوان المسلمين لا يشكّلون قوة دينية ثقافية إسلامية فحسب، بل يمثلون أيضاً إيديولوجيا توتاليتارية شبيهة بتلك التي كانت قائمة في دول أوروبا الشرقية قبل انهيار أنظمتها الشيوعية . غير أن إيديولوجيا الإخوان المسلمين مغطاة، في رأي أعضاء المجلس المذكور، بغطاء ديني . ويرى هؤلاء أيضاً أن في إمكان الولايات المتحدة والدول الأساسية في أوروبا التأثير في مواقف الأنظمة التي يحكمها الإخوان المسلمون أو القوى السياسية القريبة منهم، وذلك من خلال استخدام الضغط الاقتصادي .
يبدو من المناقشات التي كشفتها الصحيفة “الإسرائيلية” أن مصر هي الهاجس الأساس في تفكير أعضاء مجلس الأمن القومي الصهيوني الذين رأوا أن مصلحة مصر، بصرف النظر عن السلطة التي ستحكمها، ستفرض عليها الوقوف ضد النظام الإيراني ومشروعه النووي الذي يسعى من خلاله، بحسب الغرب الأطلسي، للسيطرة على المنطقة .
مصر ليست هاجس “إسرائيل” وحدها، ذلك أن روسيا والصين تبديان اهتماماً شديداً بمتابعة ما يجري في مصر وفي الشرق الأوسط عامةً . وفي رأي رئيس المجلس اللواء في الاحتياط يعقوب عميدرور، “ينبغي الاستعداد لوصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في أغلبية الدول العربية، وفي مقدمها مصر” . في هذا السياق كلفت وزارة الخارجية “الإسرائيلية” سفيرها في القاهرة يعقوب أميتاي بفتح حوار مع “الإخوان المسلمين” وحزب النور السلفي .
لماذا هذا القلق في “إسرائيل” لصعود الإخوان المسلمين؟
لأن بعضاً من قادة الإخوان في مصر صوّب موقف الجماعة من الكيان الصهيوني، بعدما نسبت صحف عدة في عالم العرب، كما في عالم الغرب إلى قادة إسلاميين نافذين، ما يشير إلى أنهم غير معنيين في الوقت الحاضر بمواجهة “إسرائيل”، بل بالتركيز على مشكلات مصر الاقتصادية والاجتماعية . فقد سارع قادة في مكتب الإرشاد في جماعة الإخوان المسلمين، كما في قيادة حزب الحرية والعدالة المنبثق من الجماعة، إلى تصويب التصريحات السابقة الصادرة عن بعض زملائهم بالقول إن الجماعة غير موافقة على معاهدة السلام “كامب ديفيد” بين مصر و”إسرائيل”، لكنها ستترك الأمر للشعب المصري ليقرر مصيرها في المستقبل . وقد فسر مراقبون هذا التصويب بأنه استدراك مقصود لتأكيد موقف الإخوان المسلمين المبدئي من “إسرائيل”، ورفضهم لها مع المثابرة على إعطاء الوضع الداخلي المريض في مصر الأولوية في برنامجهم للإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي .
ثمة هاجسان آخران يعززان قلق “إسرائيل” إزاء صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة في مصر . الأول صلة حركة “حماس” الحميمة بالإخوان المسلمين، والثاني إمكانية توصل حكومة الإخوان المقبلة إلى اتفاق ضمني مع “حماس” يقضي بالسماح لها ولتنظيمات فلسطينية أخرى متحالفة معها، إضافة إلى القوى المصرية المتعاطفة مع المقاومة الفلسطينية، باستخدام شبه جزيرة سيناء كساحة ومنطلق لشن عمليات قتالية ضد الكيان الصهيوني .
لا تشاطر إدارة أوباما، على ما يبدو، تل أبيب هواجسها إزاء مسألتي “حماس” والعمليات المحتملة انطلاقاً من سيناء . مرد ذلك، ربما، تأكيدات تلقاها مندوبو إدارة أوباما من مندوبي الإسلاميين المصريين الذين تحاوروا معهم مؤخراً . كما يمكن أن يكون مرده ثقة إدارة أوباما بأن الجيش المصري، الذي تربط قيادته بالولايات المتحدة صلات قوية عبر ولايتي أنور السادات وحسني مبارك، لن يسمح باستخدام سيناء منطلقاً لعمليات ضد “إسرائيل” .
مع ذلك، يرتاب معظم قادة “إسرائيل” في علاقة “أوباما الساذجة” مع جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ويصرون على الحصول على ضمانات من واشنطن بأنها لن تتوانى عن استخدام الضغوط المالية والاقتصادية لكبح أي محاولة إخوانية لدعم “حماس” عسكرياً ضد الكيان الصهيوني .
أكثر من ذلك، تَرَدَدَ في أمريكا كما في أوروبا أن “إسرائيل” تخطط إلى ما هو أبعد من احتواء الإخوان المسلمين في مصر وكبحهم، إذْ هي تحاول إدارك مآل ما تنتويه واشنطن حيال سوريا، وما إذا كان موقفها السلبي ضدها قد يؤول إلى تدخل عسكري دولي، أو أقله أطلسي، قد ينتج عنه تفكيك سوريا إلى دويلات طائفية . وفي هذه الحال، فإن تفكيك سوريا سينعكس على الأردن أيضاً ما يسمح ل “إسرائيل” بنفض الغبار عن مشروع قديم يقضي بتحويل الأردن وطناً بديلاً، وبالتالي دولة للفلسطينيين بديلة من الضفة الغربية وغزة . ولعل “إسرائيل” تحلم بأن تمكّنها علاقة أمريكا المستجدة مع الإخوان المسلمين في مصر وسوريا والأردن من تنفيذ هذا المشروع .
غير أن الذين يعرفون مدى التزام القوى الوطنية داخل الإخوان المسلمين بقضية تحرير فلسطين من جهة، وتراجع قوة أمريكا ونفوذها في المنطقة من جهة أخرى يعلّقون قائلين: يقدّرون فتضحك الأقدار .