سمعتُه ينادي "بطة، وين رحتي يا بطة"، ضحكتُ لـ"باله الفاضي"... فهذا الرجل يتجوّل في أرجاء المتجر باحثا عن "بطّة" لكأنه يظنّ نفسه في مدينة للملاهي أو جالسا على ضفة بحيرة ينادي الحيوانات العائمة على المياه. غير أن "بطّة" ظهرت فجأة، لم تخرج من الماء او تلوّح بجناحيها الابيضين، إنما أطلّت بقوامها الممشوق تسأله "أيليق بي هذا الفستان؟". نعم، بطّة هو اسم زوجة هذا الرجل، لا أعلم في أي مزرعة كان يسكن أهلها ليطلقوا عليها هذا الاسم، أو لربما تكون أمها انجبتها في بحيرة، ما أدراكم! فألصقوا بها إسما يكاد يكون عقابا يوميا أبديا.
مثل بطّة، هناك عصفورة ونسر وفيل ونمر، حتى، صدّقوا او لا تصدّقوا، هناك من اطلق على ابنته اسم "عنزة"... هي اسماء يطلقها اللبنانيون من دون رحمة على أولادهم. بعضها مرتبط بأسماء تاريخية أو امتثالا بزعمائهم، فيما البعض الآخر ولكثرة تأثره بعالم الفلك أو الحيوانات أو الفنانين أو حتى مدن او دول زارها يوما، يحكم على الابناء بأسماء غريبة، قبيحة مرتبطة بزمن ولّى، تجعل هؤلاء يكرهون مناداتهم باسمهم ويطلبون من المقرّبين منهم مناداتهم بألقاب أو أسماء مختصرة.
ففي لبنان، تجدون اكثر من ستة آلاف شخص يحملون الأسماء: "بدر"، و"كوكب" و"زُهرة"، و"نجمة"، و"قمر"، و"شهاب"، و"عطارد"، و"فينوس"، إضافة إلى "فلك"، و"زحل" و"شمس". هؤلاء حملوا طوال حياتهم هوس اهلهم بعالم الفلك وما يخبئه من عجائب وغرائب.
قد تكون عادة حملناها من القبائل العربية ان نسمّي أولادنا تيمّنا بالحيوانات، لما يرمز عدد منها إلى القوة والحنكة والسرعة، غير انه في يومنا هذا ربما يجب التفكير مرتين في الكره الذي سنزرعه في قلب هذا الطفل تجاهنا، متى أسميناه "نمر"، أو "فهد"، "جواد"، "صقر"، "أسد"، "يمامة"، "ظرافة"... وللمستغربين، نؤكد أن هذه الأسماء حقا موجودة، وهناك أكثر من 5900 لبناني يحملونها.
كذلك، فإن اللبنانيين يتميّزون في حبهم لإظهار انتمائهم الديني من خلال الاسماء التي يطلقونها على ابنائهم مثل "فاطمة"، و"زينب" و"مريم"، و"خديجة"، و"عثمان" او للتأثير الكبير لبعض القديسين في حياتهم، فنسمع كثيرا بـ"شربل" و"جان"، و"بولس"، إضافة إلى "يسوع"... حتى أنه في لبنان يوجد 5 "قبيل" و"هابيل"، لا اعلم ماذا خطر في بال أهلهم، غير انه يمكنني ان أتخيّل ما يعانيه هؤلاء المساكين.
ورغم أننا في العام 2016، إلا ان الآلهة لا تزال تسكن بيننا، أو بالأحرى من يحملون أسماءها، فـ"آمون"، "أثينا"، "افروديت"، "ايزيس"، "عشتروت"، "عشتار"، هم لبنانيون يمكن تعدادهم بأكثر من الف شخص، كذلك ستجدون زهاء 700 شخص يحملون الأسماء الغريبة الآتية: "علاء الدين"، "شهرزاد"، "سنية"، "سندريلا"، "عنتر"، "هنيبعل"، "سرجون"، "سندباد"، "شمشوم"، "شهريار"، "غوار"... حتى أن شخصين حكم عليهما باسم "كاتيوشا".
الفنانون ايضا، لهم حصة كبيرة، هم "نجّموا" في أيامهم وتركوا في اطفال جيلهم ما يذكّر بهم، ويجعلهم على كلّ لسان حتى بعد الممات، إذ تجدون أكثر من 13 ألف لبناني موزّعين بين "صباح"، و"اسمهان"، و"شاديا"، و"داليدا"، و"كلثوم"، و"فيروز"، و"عبد الحليم"، و"سقراط"، و"انجيلو" و"لافونتين".
أضف إلى ذلك، ان تأثر اللبنانيين بشخصيات تاريخية عربية ودولية جعلهم يختارون لأبنائهم أسماء عجيبة غريبة، فتجد طفلا اسمه الصغير "شارل ديغول"، وآخر "قيصر"، و160 "غاندي"، و26 "نابليون"، و26 "كينيدي"، و7 "كليوباترا"، و16 "أدولف هتلر" وغيرهم الكثير.
ولا يخفي اللبنانيون حبّهم للسفر واستكشاف مدن أو دول أخرى، وإذا لم يتسنّ لهم سردُ أقاصيص سفرهم لكلّ معارفهم، يكتفون بإطلاق إسم هذه الاماكن على اولادهم، فتجدون 637 "سوريا"، و73 "يونان"، و33 "ايران"، و12 "فرنسا"، و6 "تركيا"، و5 "كندا"، و4 "برازيل"... ليبقى اولئك المتأصلون المتمسكون بوطنهم، فيفجّرون حبهم هذا في ابنائهم، إذ إن 206 أشخاص يحملون اسم "لبنان"، و4 إسمهم "بيروت"!!
أما أكثر من تأثر بهم اللبنانيون حتى اليوم، واطلقوا على ابنائهم أسماء تيمّنا بهم، فهم ومن دون منازغ، سياسيون لبنانيون وعرب، فيتوزّع الآلاف بين "داني" (داني شمعون)، و"بشير" (بشير الجميل)، و"ياسر" (ياسر عرفات)، و"باسل" (باسل الأسد)، و"حسني" (حسني مبارك)، و"أنور" (أنور سادات) وغيرهم...
ولأن المسلسلات المكسيكية استحوذت على فترة مهمة من حياتنا، كان لا بدّ ممّن تسمّروا ليال طوال أمام الشاشات ينتظرون "خوان الغول" و"مونيكا" وزملائهم على الشاشة الصغيرة، أن يطلقوا على أولادهم أسماء ممثليهم المفضّلين، فانتشرت بشكل كثيف "راكيل"، "انطونيو"، "انا كريستينا"، "فرناندو"، "اليخاندرو"، "كاسندرا"، "ماريا مرسيديس"، "تاليا" و"ايزميرالدا".
هكذا، ومن دون معرفة، كثيرا ما نظلم أبناءنا. نلزمهم بأسماء لا تشبه الحقبة التي يعيشون فيها، ولا تمتّ بصلة أساسا إلى "جنس البشر"... هي مسؤولية تتخطى أهواءنا ومن نحب من المشاهير والسياسيين. فأمام ما تقدّم، ومع الغزو الذي تمارسه المسلسلات التركية لبيوتنا، سؤال يفرض نفسه: هل سيولد قريبا "مهنّد"، و"هيام"، و"سليمان"؟