خاص موقع Mtv
لم تخرج أمّ الياس من منزلها منذ ثلاث سنوات، إلا لتقصد كنيسة القرية. تضع منديلاً يغطّي شعرها الأبيض، تصلّي ساجدةً ثمّ تشعل شمعة وتخرج عائدة الى منزلها. تقفل الباب على همٍّ وحنينٍ وألم.
خسرت أمّ الياس رفيق عمرها. هتفت له ذات صباح ليستيقظ فيشربا القهوة معاً على "سطيحة" المنزل. كان نومه عميقاً. كان نومه أبديّاً.
تبدّلت حياة أمّ الياس منذ ذلك الوقت. المرأة الوحيدة بعد وفاة الزوج وهجرة ابنها الى كندا وابنتها المتزوّجة الى اوستراليا باتت تعيش في شبه عزلة، عبثاً حاول بعض الجيران إخراجها منها.
يشهد الجيران على أنّ حياة أمّ الياس ستتغيّر ابتداءً من اليوم. لم تقرّر الخروج فقط من المنزل، بل من قريتها المتنيّة أيضاً لتقصد ما يُعرف بـ "المنتزه" في منطقة قرنة شهوان، وهو موقع جميل يلتقي فيه هواة المشي للتنعّم بالمناخ الجميل والطبيعة المزدانة بالورود التي تملأ المكان.
اختارت أمّ الياس أن تشارك في المعرض الذي يحمل اسم "سوق المتن" وتتظّمه جمعيّة "المتن للإنماء" مع بلديّة قرنة شهوان عين عار بيت الككو والحبوس.
تقول إنّها اقتنعت بعد أن زارها رئيس الجمعيّة جورج عبود في منزلها، بناءً لطلب إحدى قريباتها. قال لها إنّه سمع أنّها تصنّع أطيب كشك، وأنّ المربيات التي تحتلّ خزانةً في مطبخها من الأشهى. خلعت أمّ الياس ثوب الحزن والكسل، واعتمدت على دعمٍ ماديّ قدّمته الجمعيّة لتصنّع المونة التي ستحتلّ مساحة مخصّصة لها في "سوق المتن" الذي سيكون موعداً أسبوعيّاً، في عطلة نهاية الأسبوع، يتنقّل في أكثر من منطقة متنيّة.
ليست قصّة أمّ الياس الوحيدة التي تُروى عن العارضين. هناك عشرات القصص، وهناك ما يستحقّ الزيارة وما يشهّي للأكل وما يُحفظ للمونة، وما يغري للشراء ما دام السعر للتشجيع. تشجيع العارض لكي يبيع، وتشجيع الشاري لكي يُقبل على الشراء ويعيد الكرَّة كلّ سبت وأحد من العاشرة صباحاً وحتى التاسعة مساءً، مع نشاطات وترفيهٍ مجانيّ للأولاد.
تبتسم أمّ الياس حين تسمع عبارة "بيشهّوا" من الناظر الى مونتها. تعترف بأنّها استعادت حياةً كادت تفقدها، بعد أن وجدت من يبثّ فيها حماسةً للإنتاج من جديد. تشكر القيّمين على "سوق المتن"، وتقول بابتسامة خجولة "قولوا الله".
من سيتذوّق ما صنعته أمّ الياس بيديها سيقول أيضاً "الله"...
* يستقبل المنتزه في منطقة قرنة شهوان "سوق المتن" يومي 5 و 6 تشرين الثاني، ويضمّ عدداً كبيراً من المعروضات بين مأكولات بلدية ومنتجات زراعية وأشغال يدوية وفواكه وخضار من انتاج قرى متنيّة وأشغال يدويّة مختلفة ونبيذ من صناعة رهبانيّة. وقامت الجمعية بدعم نساء بشراء المواد الاوليّة. بالإضافة الى مشاركة وزارتَي الزراعة، التي ستقوم بتوزيع شتول مجاناً، والصحة العامة.