داني حداد
ليست اللقاءات التي تضمّ قوى سياسيّة مختلفة بحثاً عن قانون انتخاب جديد "ناشفة" تماماً، على الرغم ممّا فيها من "عصف فكري" ونقاش حاد أحياناً. الوزير ملحم الرياشي ممّن يجيدون ترطيب الأجواء، بقدر براعته الهادئة في وصل المقطوع في العلاقات السياسيّة.
في اجتماعٍ عُقد منذ أسبوعين في منزل الوزير جبران باسيل، وضمّ الرياشي والنواب جورج عدوان، ابراهيم كنعان وألان عون، كان النقاش عميقاً حول قانون الانتخاب واحتمالات التمديد والفراغ وسبل تجنّبهما. التزم الرياشي وحده الصمت وكان ينظر الى "شريكه" كنعان طوال الوقت، وتحديداً الى حذاء نائب المتن. وحين سئل الرياشي، بعد طول نقاش، عن رأيه لم يجب بل سأل كنعان إذا كان حذاؤه جديداً، وظلّ يتأمل في الحذاء حتى ثار كنعان وخلعه، فضحك الجميع وبردت الأجواء.
يخرج ملحم الرياشي عن صورة السياسي التقليدي، سواء في ما يظهر في الإعلام أو في ما يبقى أسير الجدران الأربعة. "يلبّيه" كنعان غالباً في المواقف الطريفة، على الرغم من أنّ الأخير يُبرز، عبر الإعلام، صورة مختلفة عن تلك التي تظهر في الجلسات الخاصّة، حيث لا كاميرات ولا آلات تسجيل. يحتفظ نائب المتن في هاتفه بصورة "سلفي" عمرها حوالى عشرة أيّام وهو يقود سيّارته بنفسه ومعه النائبين عدوان وعون ونادر الحريري في طريقهم الى لقاء باسيل في منزله في اللقلوق.
لكنّ "شوفير" المصالحة كنعان، الذي تعيش السياسة في دمه وتأكل معه في صحنه وتنام قربه في السرير ولا تبتعد عنه في أيّام عطلته النادرة، لم يتخذ الرياشي شريكاً وحيداً له من القوات اللبنانيّة. فعدا عن الـ "ديو" بين المتنيّين، هناك ثنائيّة أخرى تجمع كنعان مع عدوان، من دون غيرة طبعاً من الرياشي الذي يشيد بذكاء نائب رئيس "القوات" وقدرته على التفاوض وتدوير الزوايا، معتبراً أنّه "معلّم" في هذا المجال.
يحضر اسم جورج عدوان في الحياة السياسيّة منذ عقود. هو من أبرز من لعب دور الرجل الثاني في تاريخ لبنان الحديث. نائب رئيس "القوات" يجيد استخدام الهامش المتاح له، هو الحائز على ثقة سمير جعجع وعلى إعجاب "القوّاتيّين" من دون أن يلجأ يوماً الى خطاب تجييشي يهواه عادةً جمهور الأحزاب.
يجلس عدوان مع الزعماء وكأنّه واحد منهم. وليد جنبلاط لا يحبّه كثيراً، ولكن يعترف له بذكائه وبراعته في التفاوض. العلاقة مع رئيس الجمهوريّة قديمة، والإعجاب متبادل. حين يجلس معه جبران باسيل يحتاج الأخير الى تركيزٍ إضافي لمتابعة ما يقوله الحليف المستجدّ. يقول ابراهيم كنعان إنّه يهوى العمل السياسي مع عدوان، حيث يمارسها الإثنان على طريقة رقص "التانغو"، بخطواتٍ مدروسة ومتناسقة و، الأهمّ، من دون أن يدوس أحدهما على رِجل الآخر.
ترتدي السياسة مع جورج عدوان ثوباً أنيقاً. هو يجيد سياسة الزواريب من دون أن يمارسها. يحبّ السياسة التي فيها "حكّ رؤوس" ولو أنّنا في جمهوريّة هي أقرب الى مصحّ. يصعب على أصحاب العقول في هذا البلد الحال الذي وصلت إليه العقول. ويصعب، أيضاً، أن نكون على مسافة أيّام من انتهاء ولاية المجلس النيابي، الممدّدة مرتين، من دون الاتفاق على قانون انتخاب. لعلّ الاعتماد كبير على جورج عدوان، المتنقّل في هذه الأيّام بين مقرٍّ ووزارة لاختصار المسافات بين المتنازعين.
وإذا كان من المسلّم به أنّ لبنان الذي مضى قد مضى، ولم يبق من بعض رجاله سوى الظلال، فإنّ اسم جورج عدوان يحضر بين جيلين وزمنين، عاصر فيهما الكبار فكبر، وعاصر أحياناً الصغار فرفعهم. لكنّه ظلّ دائماً الرقم إثنين. أفضل من أدّى دور الرقم إثنين.