لبنان في اليابان... و"بكرا منشوف"
لبنان في اليابان... و"بكرا منشوف"
لبنان في اليابان... و"بكرا منشوف"
04 Feb 201612:21 PM
لبنان في اليابان... و"بكرا منشوف"

يفرحك وانت في الغربة أن تقرأ خبراً عن لبنان خصوصاً اذا كان الخبر ليس سيئاً. قبل أشهر وقع نظري في صحيفة يابانية على خبر فيه كلمة لبنان فلم اصدق عيني. وبعد المفاجأة اكتشفت المخرجة ثريا اومواكا وفيلمها الوثائقي بعنوان "بكرا منشوف" الذي سيعرض قريباً في بيروت.

 
التقيتها ووالدتها ومنتجة فيلمها مادلين عبدالجليل في مقهى مزدحم في طوكيو، فروت لي كيف قررت بمبادرة فردية ان تنتج فيلمها عن لبنان وتعرضه في عدة مهرجانات في العالم لتتحدى الافكار المعلبة والاحكام المسبقة عن لبنان في الخارج.

قررت ثريا اومواكا قبل ٣ سنوات أن تقوم بمبادرة شخصية بانتاج واخراج فيلم وثائقي عن لبنان، ألقت فيه الضوء على هوية لبنان وعلاقته بماضيه من خلال مقابلات مع ١٠ فنانين لبنانيين من مختلف الميادين، استمروا بالعطاء الفني متخطين عدم الثقة بالغد والانقسام الحاد في البلاد. لقد استفزها ان يتم ربط لبنان دائما بالارهاب والتطرف في المنطقة، فقررت تصوير الفيلم لتحدّي الخوف من الآخر والمفاهيم الخاطئة عن لبنان في الخارج. بعد سنة من العمل بفريق عمل من شخصين اثمرت جهودها فيلماً يلخص ماهية لبنان بتناقضاته العديدة انطلاقا من طبيعته الجغرافية، مروراً بتاريخه الحافل بالدمار والاعمار وصولاً الى تنوع الهويات فيه.

ولدت ثريا في طوكيو من أب ياباني وأم لبنانية. كانت والدتها قد انتقلت اثناء الحرب الاهلية في لبنان الى اليابان وتعرفت هناك الى زوجها على مقاعد الدراسة. نشأت ثريا في اليابان وعاشت في بريطانيا ودرست في الولايات المتحدة قبل أن تعود الى اليابان. هي لا تعتبر نفسها يابانية بل خليط من الهويات. طفولتها في اليابان لم تكن سهلة بسبب اختلافها، فكانت عرضة للمضايقة والتمييز في المدرسة لكونها ليست يابانية مئة بالمئة. الا انه مع الوقت بدأت تعتبر ان هويتها هي بمثابة امتياز لها وهي ترى اليوم بأن التعرف الى ثقافات مختلفة سمح لها ان تفهم ان هناك دائما اكثر من منظار لفهم الامور واصبحت اكثر انفتاحاً على الاختلاف.

 
تأتي اومواكا من عائلة فنية عريقة اتقنت فنّ مسرح النوه الياباني التقليدي منذ ٦٠٠ سنة. فوالدها ناوهيكو اومواكا معلم نوه واستاذ جامعي وهي ممثلة نوه منذ عمر الثلاث سنوات. على رغم ميولها الفنيّة درست العلوم السياسية لاهتمامها باكتشاف تأثير السياسة على حياة الناس. وقد جمعت بين الفن والسياسة عبر انتاجها افلاماً وثائقية خلال دراستها في جامعة برينستون الاميركية حيث صورت الفيلم الاول في افغانستان وتضمن مقابلات مع اولاد ايتام واطفال شوارع في كابول. كما صورت فيلمين وثائقيين، الاول في الاكوادور عام ٢٠٠٧ عن اطفال الشوارع والثاني عام ٢٠٠٩ في البرازيل عن الفنون في احياء الفقر. وقد ارادت في حينها ان تصور فيلماً عن لبنان، الا انها لم تتمكن من الحصول على المنحة بسبب رفض الجامعة اعطاءها للتصوير في الشرق الاوسط لاسباب امنية.
 
لقد شكل انتاج الوثائقي "بكرا منشوف" وسيلة لاومواكا لتعمق علاقتها بلبنان. فهي كانت تزور جدتها في صغرها لفترات قصيرة فقط، أما تصوير الفيلم فسمح لها بالتعرف الى مناطق جديدة واشخاص يشاركونها افكارها. اما توقيت التصوير فكان مرتبطاً بسبب شخصي هو مرض جدتها بالزهايمر، ما دفعها للانتقال للعيش معها خلال فترة التصوير قبل ان تفقد ذاكرتها. لم يواجهها خلال التصوير اية معوقات سوى اضطرارها لتعلم القيادة والحصول على رخصة سوق لبنانية لصعوبة التنقل من دون سيارة. الا ان العمل على الفيلم لم يكن سهلاً لولا تولي والدتها مادلين عبد الجليل الانتاج وتأمين التمويل واحيانا الترجمة. فثريا تتكلم العربية مع جدتها فقط ولغتها لا تكفي لاجراء المقابلات.
 
لقد اختارت المخرجة فنانين تحاكيها اعمالهم ويشاركونها عدم اقتناعها بالنظام الطائفي في لبنان، الا انها التزمت في اختيارهم بتأمين التوازن بين الخلفيات الاجتماعية والدينية والفئات العمرية. الفنانون هم الكاتبة علوية صبح، الرسام شكرالله فتوح، الرسامة التصويرة مايا فيداوي، الموسيقي في فرقة مشروع ليلى حامد سنو، المهندسين المعماريين ساري الخازن وبرنارد خوري، الصحافي والشاعر عباس بيضون، مصممة الرقص اليسار كركلا، المهندس النحات والرسام نديم كرم، اخصائية العلاج بالدراما لميا ابي عازار، اضافة الى مقابلة وجيزة مع الراحل سعيد عقل. أما عنوان "بكرا منشوف" فيلخّص بشكل بليغ ما يجمع بين اللبنانيين من عدم القدرة للتخطيط للمستقبل ومن ترك الامور للوقت لتفادي اتخاذ القرارات. وهي تعلق ضاحكة عند سؤالها عن سبب اختيارها للعبارة كعنوان للفيلم، بأنها كانت تعرف كطفلة أن بكرا منشوف لا تشكل وعداً للغد، فلم تكن تصدق جدتها عندما كانت تقولها لها، وهو أمر علق في ذهنها لتناقضه مع الثقافة اليابانية .
تعتبر اومواكا انها بعرضها الفيلم في عدة مهرجانات في اوروبا واميركا واستراليا واخيراً في اليابان قد استطاعت ان تحقق هدفها بايصال صورة عن واقع لبنان تتحدى من خلالها الافكار المسبقة عنه. صحيح ان الفيلم نال جائزة دويتشي بنك الابداعية لعام ٢٠١٢ وتقديراً من وزارة الثقافة اللبنانية عام ٢٠١٤، الا ان ثريا تتحدث بحماسة اولاً عن تفاعل الحضور معها بعد العروض، بخاصة المغتربون اللبنانيون الذين كانوا شديدي التأثر بالفيلم الذي يتطرق من بين المواضيع لموضوع الذاكرة والابنية التي لا تزال تذكر بالحرب. وهي تخبر كيف أن مغتربة من أصل لبناني قالت أنها كانت قد قررت بمغادرتها لبنان الا تعود اليه قط، الا ان الفيلم جعلها تبدل قرارها. 
كثر شكروا لثريا مبادرتها التي تظهر الابداع اللبناني وحب الحياة والسهر، لأنهم قالوا أنهم سئموا ان يتم ربطهم بالارهاب باستمرار لمجرد التعريف عن انفسهم بأنهم لبنانيين. اما خلال عرض الفيلم الصيف الماضي في اليابان لاقى الحضور الفيلم بدهشة لعدم معرفتهم بواقع لبنان بتاتاً. وقال عدة اشخاص يابانيون انهم شعروا بنوستالجيا على الرغم من انهم لم يزوروا لبنان ابداً من قبل، وقد قرر بعضهم زيارته قريباً.
 
على رغم ايجابية تجربة اومواكا في لبنان وسعيها لكسر الافكار الخاطئة عنه الا انها وقعت بنفسها ضحية العنصرية والاحكام المسبقة في المجتمع اللبناني حيث كان يتم اعتبارها عاملة منزل فيليبينية بسبب ملامحها الآسيوية على الرغم من معدات التصوير الباهظة التي كانت تحملها معها. وهي توضح انه لم يزعجها أن يعتبرونها فيليبينية بل ان ذلك كان يغير كيفية التعاطي معها، وهو أمر لا يجوز. فما ان يعرفوا انها يابانية ترى الانفراج ويأتي سؤال "أيا أحلى لبنان او اليابان؟"، "على راسي اليابان"!
بعد أن عرض في عدة بلدان، سيتم العرض الاولي لفيلم "بكرا منشوف" في ٢ آذار المقبل عند الثامنة والنصف مساء في سينما ميتروبوليس- في سنتر صوفيل في الاشرفية ويلي العرض جلسة حوار مع المخرجة. كما سيعرض الفيلم في Zico house في سبيرز في ٤ آذار.
وسوف تشارك ثريا بحدث فني آخر في لبنان من ضمن مهرجان البستان بمسرحية تمثل فيها الى جانب والدها وشقيقها في ٢٩ شباط المقبل بعنوان Do you Noh Shakespeare: King Lear dreaming. سوف تجمع المسرحية للمرة الاولى بين فن النوه الياباني الكلاسيكي وعزف البيانو الحديث للعازف الفرنسي اريك فيران نكاوا.
 
قد لا يجلب الفيلم معلومات جديدة للجمهور اللبناني العالم بواقع بلاده، الا انه يأتي بأفكار لا يسمعها اللبناني كل يوم تتعلق بالهوية والقدرة على الصمود بوجه الافكار المعلبة. انه يحثنا على رؤية الواقع الذي نعيشه كل يوم من منظار جديد ومن وجهة نظر اشخاص استعملوا الكلمة واللون واللحن والجسد سبيلاً لتخطي ضوضاء الطائفية والانقسامات والتوترات المستمرّة.