لطالما كان سرد النكت محصورا بذاك الذي أتقنها هواية، فبات كلّ ما يخرج من فمه مضحكا وفكاهيا، حتى إذا سمعنا النكتة نفسها من شخص آخر، ما أضحكتنا، اذ ان خفة الظل وطريقة السرد تشكل النصف الآخر للطريق نحو الضحك. غير أن مواقع التواصل الاجتماعي غيّرت الكثير من يومياتنا وأدخلت الى حياتنا عادات جديدة، وربما من أحد مساوئها أو لربما من حسناتها أن النكتة باتت تصلنا أينما كنا، وبصمت مطبق.
كيفما نقلنا بين صفحات "فايسبوك" و"تويتر" وجدنا أمثالا ونكتا لا تنتهي، بعضها منقول، والبعض الآخر من صنع أصدقائنا، يفجّرون "هضامتهم" على المواقع الالكترونية، حتى أنه باتت هناك صفحات للنكت فقط، تدخل اليها فتغرف ما شئت منها، على اختلاف عناوينها ومواضيعها.
كذلك، بات بإمكان أي كان ان يحمّل تطبيقات على الهواتف تساعد على ابتكار نكتته، فيضع رؤوس الاقلام، وتقوم هي بالباقي. الواتساب ساعد كثيرا في نقل أكبر عدد ممكن منها، إذ لا يمرّ يوم لا يصلنا فيه أقل من 5 نكت عبر التطبيق المذكور، وكثيرا ما تصلنا هي نفسها في المرات الخمس، فكلّ يوم هناك نكتة "دارجة".
غير أن المشكلة ليست هنا، بل في نوعية ما نقرؤه أينما كان، فهذه الطريقة في نشر النكت على مواقع التواصل الاجتماعي لا تفرّق بين ابن الـ14 عاما، والـ20 عاما والـ60 عاما. بات كلّ شيء مباحا، وما يُكتب يقرؤه الجميع.
أجبرت رانيا (45 عاما) ابنها الذي لم يبلغ بعد العشرة اعوام على اقفال صفحته على "فايسبوك" بسبب النكت التي بات يسردها أمامها كل يوم، مع ادراكها بأن ذلك لن يمنعه من اللجوء الى وسائل اخرى، ان اراد ذلك.
"أنا بستحي قولن"، تضيف رانيا، معتبرة أنه في سن صغيرة حتى يتفوّه بهكذا أمور، إضافة إلى أن الكلمات التي تكتب في كثير من الأحيان تكون "مبتذلة للغاية"، يخجل الكبار من قولها.
ريما (25 عاما) هي ايضا تعبّر عن انزعاجها مما يصلها على واتساب خصوصا في الاحاديث الجماعية أو الـgroupe حيث أن أحدهم لا ينفكّ يرسل نكتا فيها كثير من الايحاءات الجنسية مرفقة بصور لعراة وأكثر، لا بل أنها كثيرا ما تحتوي على كلام لا يمكن للمرء أن يتفوّه به. وهي تعتبر أن هذا الأمر إنما يشكل إساءة لها، باعتباره تخطى حدود التخاطب وانتهك أصول الكلام والاحترام.
بالطبع، ان من اختار أن يكون جزءا من العالم الالكتروني، إنما هو شرّع كلّ شيء، ويجب أن يدرك أنه شاء ام ابى، جعل من نفسه عرضة لكلّ ما يُكتب ويُنشر. غير أنه لا بدّ من الإشارة أيضا إلى أن المسؤولية تلقى على كاهل كلّ واحد منا. ضعوا حدودا لما تكتبونه لأن حريتكم تنتهي متى بدأت حرية الآخر.