كتب جان نخول:
لم يترك كورونا مجالا للشك أنه باق معنا لزمن طويل. وليفرض نفسه على العالم، سرق ويسرق عمالقة الفن في هذا العالم العربي المنقسم بنزاعاته المسلحة، والرابض فوق كتلة من الإبداعات التي تصر على خرق تاريخه الطويل.
بعد الياس رحباني في لبنان، سرق الفيروس جمال سلامة في مصر. خسارة لا تقل أهمية عن أحد رواد الموسيقى، وصانعي ما هو أهم من الأغنيات. جمال سلامة صنع النقلات الفنية الموسيقية.
عام ١٩٨٠، كان جمال سلامة تمرس في صناعة موسيقى الأفلام، بعد مسيرة طويلة من دراسة الموسيقى والعزف. هو الموسيقي الوحيد الذي سمحت أم كلثوم أن يرافقها في العزف أثناء غنائها وليس في الفواصل الموسيقية، وأول من عزف على الأرغن في مصر.
أتى يومها برفقة المخرج أحمد يحيى إلى صباح التي تحضر ما سيصبح آخر أفلامها في مصر، وحكاية أحد أزواجها مع الخيانة. استمع جمال سلامة إلى القصة، بخجل المبتدئين، خوفا من تجربة التلحين التي لم يخضها بعد. كانت صباح نجمة العصر التي فرضت نفسها على مصر، وكانت مسيرتها متنوعة بين الأوف الصادحة من لبنان، وخفة الدم في أعمال فريد الأطرش، والطرب الشعبي في مصر. اعتبر جمال سلامة أنه إن لم ينقلها إلى سكة أخرى، فإنه سيكون قد فشل، فأعطاها لحن "ساعات ساعات". فوجئ عندها برفضها: لا تشبهني، قالت يومها.
في اليوم التالي، عاد بإصرار ليسمعها إياها ثانية. لم تكن صباح عنيدة، ولم ترغب أن تكسر خاطر موهبة شابة. استمعت إليها مرة ثانية وثالثة ورابعة، فألفتها أذنها، وشعرت أنها وجدت فيها ضالتها. أصبحت الأغنية في ما بعد نقلة نوعية في تاريخ الموسيقى المصرية والعربية، وبطاقة تعريف لصباح ومسيرتها.
بعد سنوات قليلة، كان عليه أن يثبت الخبرة من جديد مع موهبة مغربية ستكون جسر العبور بين قامات الزمن الذهبي، وبين جيل التسعينات. وقفت أمامه سميرة سعيد، وألبسها ثوب "قال جاني بعد يومين" ونشيد "مش هتنازل عنك". يومها، قلبت سميرة مع كامل العالم العربي صفحة المطولات الموسيقية، لتدخل عصر الأغنية الأسرع، والأهم، الأغنية الصارخة. إنها حركة التحرر النسائية في الأغنية العربية. أن تصرخ امرأة قصتها، لأنها غير قادرة على أن تصرخ حقها.
وعام ١٩٨٩، حملت ماجدة الرومي آلام وطنها، واجتمع لحن المصري جمال سلامة، بشعر السوري نزار قباني لتوقيع أهم عمل لبيروت "ست الدنيا". نعم، في كل مرة نصرخ "قومي من تحت الردم… إن الثورة تولد من رحم الأحزان" يكون ذلك على نوتات جمال سلامة. حصل ذلك بعد سنوات قليلة من "سيدي الرئيس" نشيد الأوطان المكسورة من الطاغية المتجاهل.
هكذا هي أعمال جمال سلامة. راسخة، محورية، ونقاط تحول. هل ندرك حجم الخسارة؟
عام ١٩٨٠، كان جمال سلامة تمرس في صناعة موسيقى الأفلام، بعد مسيرة طويلة من دراسة الموسيقى والعزف. هو الموسيقي الوحيد الذي سمحت أم كلثوم أن يرافقها في العزف أثناء غنائها وليس في الفواصل الموسيقية، وأول من عزف على الأرغن في مصر.
أتى يومها برفقة المخرج أحمد يحيى إلى صباح التي تحضر ما سيصبح آخر أفلامها في مصر، وحكاية أحد أزواجها مع الخيانة. استمع جمال سلامة إلى القصة، بخجل المبتدئين، خوفا من تجربة التلحين التي لم يخضها بعد. كانت صباح نجمة العصر التي فرضت نفسها على مصر، وكانت مسيرتها متنوعة بين الأوف الصادحة من لبنان، وخفة الدم في أعمال فريد الأطرش، والطرب الشعبي في مصر. اعتبر جمال سلامة أنه إن لم ينقلها إلى سكة أخرى، فإنه سيكون قد فشل، فأعطاها لحن "ساعات ساعات". فوجئ عندها برفضها: لا تشبهني، قالت يومها.
في اليوم التالي، عاد بإصرار ليسمعها إياها ثانية. لم تكن صباح عنيدة، ولم ترغب أن تكسر خاطر موهبة شابة. استمعت إليها مرة ثانية وثالثة ورابعة، فألفتها أذنها، وشعرت أنها وجدت فيها ضالتها. أصبحت الأغنية في ما بعد نقلة نوعية في تاريخ الموسيقى المصرية والعربية، وبطاقة تعريف لصباح ومسيرتها.
بعد سنوات قليلة، كان عليه أن يثبت الخبرة من جديد مع موهبة مغربية ستكون جسر العبور بين قامات الزمن الذهبي، وبين جيل التسعينات. وقفت أمامه سميرة سعيد، وألبسها ثوب "قال جاني بعد يومين" ونشيد "مش هتنازل عنك". يومها، قلبت سميرة مع كامل العالم العربي صفحة المطولات الموسيقية، لتدخل عصر الأغنية الأسرع، والأهم، الأغنية الصارخة. إنها حركة التحرر النسائية في الأغنية العربية. أن تصرخ امرأة قصتها، لأنها غير قادرة على أن تصرخ حقها.
وعام ١٩٨٩، حملت ماجدة الرومي آلام وطنها، واجتمع لحن المصري جمال سلامة، بشعر السوري نزار قباني لتوقيع أهم عمل لبيروت "ست الدنيا". نعم، في كل مرة نصرخ "قومي من تحت الردم… إن الثورة تولد من رحم الأحزان" يكون ذلك على نوتات جمال سلامة. حصل ذلك بعد سنوات قليلة من "سيدي الرئيس" نشيد الأوطان المكسورة من الطاغية المتجاهل.