أنطوان نجم
كتب انطوان نجم:
عندما درستْ لجنة من النوّاب في جلسة 22/5/1926 موضوع "الطائفيّة" و"مبدأ النظام الطائفيّ السياسيّ" في أثناء مناقشة موادّ الدستور، لوحظ أنّ النوّاب المسلمين كانوا مؤيّدين للمادة 95 الواردة في مشروع الدستور المقترح تأييدًا تامًّا على عكس النوّاب المسيحيّين. وكانت المادة بالنصّ الآتي:
"بصورة مؤقتة وعملًا بالمادة الأولى من صك الانتداب والتماسًا للعدل والوفاق تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وبتشكيل الوزارة دون أن يؤول ذلك إلى الإضرار بمصلحة الدولة".
روحيّة هذه المادّة هدفت إلى ضمان مشاركة "الجميع" في الحكم.
وكان النائب المسيحيّ جورج زوين قد رفض الموافقة على هذه المادّة معتبرًا أنّ الروح الطائفيّة هي "العلّة التي نشكو منها والتي تقتلنا. إنها العقبة التي تحول دون وحدتنا. أجابه النائب الشيعيّ صبحي حيدر: "أطلبُ إذن الوحدة السوريّة".كما كان قد اعترض على عبارة "بصورة مؤقتة. وأيدّ هذه المادّة بقوّة، أيضًا، النائب السنيّ عمر الداعوق والنائب الدرزيّ جميل تلحوق، والنائب السنيّ خير الدين عدره الذي قال: "إن الروح الطائفيّة هي حالة نفسيّة لها جذور فينا وهي حالة عشعشت في نفوسنا ولا تقدر البلاد على الخلاص منها ...".
أمّا النوّاب المسيحيّون الحاضرون في الجلسة فقد اعترضوا بقوّة على هذه المادّة. قال النائب جورج زوين: "المادة 95 و96 أخالفهما لأني أخالف التوظيف الطائفيّ". وأيّد ابراهيم المنذر جورج زوين. وكذلك بترو طراد الذي قال: "لا وطنيّة إلّا إذا حذفت الطائفيّة". وإميل ثابت الذي اعتبر "أن لا وحدة وطنيّة طالما يوجد طائفيّة".
ولم يطل الأمر حتّى عاد عدد من النوّاب المسيحيّين البارزين إلى انتقاد الطائفيّة والتوزيع الطائفيّ والخلافة الطائفيّة في الوظائف. وفي طليعة هؤلاء النائب المارونيّ إميل إده في 14/5/1927 في أثناء مناقشة بيان حكومة الشيخ بشارة الخوري. قال إده: "ولم أبغِ في هذا البيان الصريح إلّا الإدلاء بعيوب القاعدة الطائفيّة التي يجب أن تموت وتمحى من سجل الحكومة لكي يخلفها المبدأ القائل بإن جميع الوطنيّين هم لبنانيّون متساوون في الحقوق والواجبات. ومن الواجب على ولاة الأمور أن يكونوا في طليعة المقبّحين للطائفيّة لتخلص البلاد من هذه الحالة المؤسفة وهذا الاضطراب الفكريّ المزعج".
ومن جهة أخرى، في ما بعد، بدأ النّواب يزايدون بعضهم على بعض في المطالبة بحقوق طوائفهم في المشاركة في عضويّة الحكومات وفي تعيين الموظفين. وقد ضرب الشيعة في ذلك الرقم القياسيّ، حتّى انّ صبري حمادة انسحب من جلسة 18/1/1928 احتجاجًا على عدم وجود وزير شيعيّ في حكومة الشيخ بشارة الخوري. وصبري حمادة نفسه تقدّم بتاريخ 31/10/1946 "باقتراح قانون بإلغاء الاعتبارات المذهبيّة من الأنظمة والقرارات والقوانين النافذة".
لماذا كلّ هذا؟
وكيف ينبغي النظر إلى المستقبل؟ما جرى في لبناننا ، ويجري منذ مئة عام، دليل قاطع أنّ الحقائق المجتمعيّة المتجذرة فينا مؤّشّرٌ صارخ أنّها واقع يفرض نفسه فرضَا لا يمكن تجاهله. وإلّا نقع في مآزق معقّدة تؤدّي إلى الشلل. والاختبارات التي عشناها لأسطع برهان وتكفي كي نفهم.
الحلّ يكمن في تلبية كلٍّ من هويّاتنا المجتمعيّة (أي كلّ طائفة) إلى ما ترتاح إليه نفوس أبنائها من اقتناعات إيمانيّة. عند ذاك، فقط، ينال كلّ ذي حقّ حقّه فيستتبّ السلام وينتشر الوئام وتتحقّق المساواة المنشودة. وذلك من طريق تبنيّ نظام "فديراليّ" للبنان.
عندما درستْ لجنة من النوّاب في جلسة 22/5/1926 موضوع "الطائفيّة" و"مبدأ النظام الطائفيّ السياسيّ" في أثناء مناقشة موادّ الدستور، لوحظ أنّ النوّاب المسلمين كانوا مؤيّدين للمادة 95 الواردة في مشروع الدستور المقترح تأييدًا تامًّا على عكس النوّاب المسيحيّين. وكانت المادة بالنصّ الآتي:
"بصورة مؤقتة وعملًا بالمادة الأولى من صك الانتداب والتماسًا للعدل والوفاق تمثل الطوائف بصورة عادلة في الوظائف العامة وبتشكيل الوزارة دون أن يؤول ذلك إلى الإضرار بمصلحة الدولة".
روحيّة هذه المادّة هدفت إلى ضمان مشاركة "الجميع" في الحكم.
وكان النائب المسيحيّ جورج زوين قد رفض الموافقة على هذه المادّة معتبرًا أنّ الروح الطائفيّة هي "العلّة التي نشكو منها والتي تقتلنا. إنها العقبة التي تحول دون وحدتنا. أجابه النائب الشيعيّ صبحي حيدر: "أطلبُ إذن الوحدة السوريّة".كما كان قد اعترض على عبارة "بصورة مؤقتة. وأيدّ هذه المادّة بقوّة، أيضًا، النائب السنيّ عمر الداعوق والنائب الدرزيّ جميل تلحوق، والنائب السنيّ خير الدين عدره الذي قال: "إن الروح الطائفيّة هي حالة نفسيّة لها جذور فينا وهي حالة عشعشت في نفوسنا ولا تقدر البلاد على الخلاص منها ...".
ولم يطل الأمر حتّى عاد عدد من النوّاب المسيحيّين البارزين إلى انتقاد الطائفيّة والتوزيع الطائفيّ والخلافة الطائفيّة في الوظائف. وفي طليعة هؤلاء النائب المارونيّ إميل إده في 14/5/1927 في أثناء مناقشة بيان حكومة الشيخ بشارة الخوري. قال إده: "ولم أبغِ في هذا البيان الصريح إلّا الإدلاء بعيوب القاعدة الطائفيّة التي يجب أن تموت وتمحى من سجل الحكومة لكي يخلفها المبدأ القائل بإن جميع الوطنيّين هم لبنانيّون متساوون في الحقوق والواجبات. ومن الواجب على ولاة الأمور أن يكونوا في طليعة المقبّحين للطائفيّة لتخلص البلاد من هذه الحالة المؤسفة وهذا الاضطراب الفكريّ المزعج".
ومن جهة أخرى، في ما بعد، بدأ النّواب يزايدون بعضهم على بعض في المطالبة بحقوق طوائفهم في المشاركة في عضويّة الحكومات وفي تعيين الموظفين. وقد ضرب الشيعة في ذلك الرقم القياسيّ، حتّى انّ صبري حمادة انسحب من جلسة 18/1/1928 احتجاجًا على عدم وجود وزير شيعيّ في حكومة الشيخ بشارة الخوري. وصبري حمادة نفسه تقدّم بتاريخ 31/10/1946 "باقتراح قانون بإلغاء الاعتبارات المذهبيّة من الأنظمة والقرارات والقوانين النافذة".
لماذا كلّ هذا؟
وكيف ينبغي النظر إلى المستقبل؟ما جرى في لبناننا ، ويجري منذ مئة عام، دليل قاطع أنّ الحقائق المجتمعيّة المتجذرة فينا مؤّشّرٌ صارخ أنّها واقع يفرض نفسه فرضَا لا يمكن تجاهله. وإلّا نقع في مآزق معقّدة تؤدّي إلى الشلل. والاختبارات التي عشناها لأسطع برهان وتكفي كي نفهم.
الحلّ يكمن في تلبية كلٍّ من هويّاتنا المجتمعيّة (أي كلّ طائفة) إلى ما ترتاح إليه نفوس أبنائها من اقتناعات إيمانيّة. عند ذاك، فقط، ينال كلّ ذي حقّ حقّه فيستتبّ السلام وينتشر الوئام وتتحقّق المساواة المنشودة. وذلك من طريق تبنيّ نظام "فديراليّ" للبنان.