مارون خاطر
كتب البروفسور مارون خاطر كاتب وباحث في الشؤون الماليَّة والاقتصاديَّة:
لَم يَشهَدِ العام ٢٠٢١ انتظاماً في عمل السُّلطَة الإجرائية إلا لأسابيع قليلة شكَّلت فاصلاً بين تعطيل التشكيل وحَظرِ الانعقاد. فالحكومة نفُسها ليست إلا طيف وهمٍ بين فَرَاغَيْن، بل فاصلٌ هزيلُ بين التَّعطيل والتَّعطيل...
أبصرت حكومة "اختصاصيي الظلّ" النور مع بَدء ورق أيلول بالاصفرار للمرَّة الثانية. بعد بضعة اجتماعات، نَفَحَت رياحُ السياسة فأسقطت أقنعة الاختصاص وتهاوى معها بُرجُ الوَهم الهجين. عُطلت الحكومة، عَلا صوتُ الاستقواء على صوتِ الجوع، استُبدِلًت الطاولة بالحَلَبَة وضَؤلَ الأمل. أُهدر الوقت كما أُهدِرَت أموال الناس وجنى أعمارهم. اقتَرَبَت الاستحقاقات الانتخابية فباتت الحكومة في قبرها حكومة إنتخابات ربَّما لن تحصل إن أراد المعطلون. تقدَّمت المشاريع والخدمات التي يمكن أن تُشكِّل وقوداً "للزبائنيَّة" التي ازدهرت وتطوَّرت بفعل الأزمة ومستغلّيها. إنتقلت المَلفّات من القاعة إلى المكاتب وانتقلت معها الإنتاجيَّة إلى رحمة الله. توقّف التفاوض مع صندوق النَّقد الدُّوَلي وإن بدا المشهد مغايراً. فالصندوق لا يُفاوِضُ بالتجزئة إنطلاقاً من أنَّ ما يطلبه من إصلاحاتٍ لا يمكن إقراره بالتجزئة.
تحوَّلَ العراك إلى مجلس النواب حيث تُرجمت تصفية الحسابات مشاريع قوانين مشوَّهة أهدَرَت المزيد من الوَقتِ والفُرَص. رَسَبَ الكابيتال كونترول مرتين اثنتين في امتحان الثقافة الإقتصاديَّة. تجاهل أهلُ العلم والمَشورة الصَّالحة ميزان المدفوعات وأساؤوا استعماله وهو المنطلق لأي حلٍ منطقيّ يرتكز على أُسُسٍ علميَّة. فاحت رائحة الصفقات والمقايضات بين إحقاق العَدل ولُقمة العيش تارةً، وبين الامتثال للقانون والتَحَايُلِ عليه طوراً. قَتَلَ تأخير سير العدالة ضحايا المرفأ مرَّاتٍ عدِّة وأهانت الدولة ذويهم مرَّات. استمرَّت محاولات تغيير هويَّة لبنان عَبرَ أبواب الإقتصاد والسياسة بعد آتون التفجير. بإستثناء أحداث القوة الفائضة، بقي الأمن مقبولاً بفضل عين الله الساهرة في السماء وعيون الجيش والأجهزة الامنيَّة الساهرة في الأرض. تابعت القطاعات الإقتصاديَّة والاجتماعيَّة مسارها الانحداري القاتل في الصِحَّة والتعليم كما في الزراعة والصناعة والتجارة.
قَذَف عَصْفُ الانهيار نُخبَةٌ من الأدمغة اللبنانيَّة المتألقة إلى ما وراء البِحار وسَتَنفُثُ تردُّداته الكثيرين لاحقًا. امتدَّت طوابير المَذلَّةِ من محطات الوقود إلى الافران ،فُقدت الأدوية وحليب الاطفال وحلَّق سعر الرَّغيف في مشهد أشبه بِمَخَاضِ جَبَل. بَعدَها ولِدَ الفأر ورُفِع الدَّعم بعد أن كادت جيوب المهرِّبين وأسيادهم تَنفَجِرُ طمعاً وخيانة وقبل أن يتمكن أصحاب الوعود والعهود من إصدار بطاقةٍ تمويليَّةٍ واحدة. إرتفعت الأسعار الى حدِّ الجنون وأصبح تعداد ميسوري الحال أسهل من إحصاء الفقراء ولم يُحصَ احدٌ. استمرَّ غياب شبكة الأمان الاجتماعي في بلدٍ لا يملك قواعد بياناتٍ محدثةٍ تُحصي فقراءَهُ ومُعوَزيه. تلهَّى أصحاب الشأن في تقاسم حقوق السَّحب الخاصة وهي لا تشكل بِمُجملها ضُعفَ ما كان يُهدَر على الدَّعم في شهر واحد.
وفي الوقت بدل الضائع، انهمَرَت تعاميم المركزي ألسنةً لاهبة أحرقت مدَّخرات المودعين وباستعمال النار نَفسِها استمرَّ إطفاء خسائر المصارف. إرتفع سعر صرف الدولار أكثر من ضعفين منذ تشكيل الحكومة. كَيفَ لا والسوق الموازية تزداد تفلتاً وتحكُّماً ومعها يزداد تخبُّطُ المنصَّات وفشلُها؟ ابتُدِعَت حلولٌ نقديَّة موضِعيَّةٌ الهائيَّة واهية لن تتمكن إلا من استنزاف المزيد مما لم يُسرق من أموال المودعين. دخل "توحيد سعر الصرف" إلى قائمة المفاهيم الماليَّة الفينيقيَّة الرائجة إلى جانب "إعادة إنتاج الودائع"، و"المطالبة بإفلاس المصارف"، فاغتنت المكتبة الكونيَّة. استُنفِذَت الحلول الماليَّة والنقديَّة إذ إنَّ المشكلةَ في أساسِها سياسيَّة وبامتياز!
وفي آخر الأيام والسنين كلامٌ يشكو الفَشَل إلى الشاكين منه ويسأل السائلين ودعوة إلى حوارٍ بين من لا تجمعهم مصلحة الوطن لا بل بين من يختلفون على الوطن شكلاً ومضمونًا وكيانًا وهويّة.
٢٠٢١ مرحلةٌ من درب صليب لبنان تتزامن فيها الآلام مع الميلاد ويَمتَزِجُ فيها الخوفُ مع الوجع والأمل والإيمان...
الميلاد جزء من مشروعٍ خلاصيٍ لا بد أن يَمُرَّ بالجلجلة لكي يتوَّج بالقيامة!
سيقوم لبنان حَقَّ قيامة، فالسنون بُرهةٌ في عمر الأوطان!
لَم يَشهَدِ العام ٢٠٢١ انتظاماً في عمل السُّلطَة الإجرائية إلا لأسابيع قليلة شكَّلت فاصلاً بين تعطيل التشكيل وحَظرِ الانعقاد. فالحكومة نفُسها ليست إلا طيف وهمٍ بين فَرَاغَيْن، بل فاصلٌ هزيلُ بين التَّعطيل والتَّعطيل...
أبصرت حكومة "اختصاصيي الظلّ" النور مع بَدء ورق أيلول بالاصفرار للمرَّة الثانية. بعد بضعة اجتماعات، نَفَحَت رياحُ السياسة فأسقطت أقنعة الاختصاص وتهاوى معها بُرجُ الوَهم الهجين. عُطلت الحكومة، عَلا صوتُ الاستقواء على صوتِ الجوع، استُبدِلًت الطاولة بالحَلَبَة وضَؤلَ الأمل. أُهدر الوقت كما أُهدِرَت أموال الناس وجنى أعمارهم. اقتَرَبَت الاستحقاقات الانتخابية فباتت الحكومة في قبرها حكومة إنتخابات ربَّما لن تحصل إن أراد المعطلون. تقدَّمت المشاريع والخدمات التي يمكن أن تُشكِّل وقوداً "للزبائنيَّة" التي ازدهرت وتطوَّرت بفعل الأزمة ومستغلّيها. إنتقلت المَلفّات من القاعة إلى المكاتب وانتقلت معها الإنتاجيَّة إلى رحمة الله. توقّف التفاوض مع صندوق النَّقد الدُّوَلي وإن بدا المشهد مغايراً. فالصندوق لا يُفاوِضُ بالتجزئة إنطلاقاً من أنَّ ما يطلبه من إصلاحاتٍ لا يمكن إقراره بالتجزئة.
تحوَّلَ العراك إلى مجلس النواب حيث تُرجمت تصفية الحسابات مشاريع قوانين مشوَّهة أهدَرَت المزيد من الوَقتِ والفُرَص. رَسَبَ الكابيتال كونترول مرتين اثنتين في امتحان الثقافة الإقتصاديَّة. تجاهل أهلُ العلم والمَشورة الصَّالحة ميزان المدفوعات وأساؤوا استعماله وهو المنطلق لأي حلٍ منطقيّ يرتكز على أُسُسٍ علميَّة. فاحت رائحة الصفقات والمقايضات بين إحقاق العَدل ولُقمة العيش تارةً، وبين الامتثال للقانون والتَحَايُلِ عليه طوراً. قَتَلَ تأخير سير العدالة ضحايا المرفأ مرَّاتٍ عدِّة وأهانت الدولة ذويهم مرَّات. استمرَّت محاولات تغيير هويَّة لبنان عَبرَ أبواب الإقتصاد والسياسة بعد آتون التفجير. بإستثناء أحداث القوة الفائضة، بقي الأمن مقبولاً بفضل عين الله الساهرة في السماء وعيون الجيش والأجهزة الامنيَّة الساهرة في الأرض. تابعت القطاعات الإقتصاديَّة والاجتماعيَّة مسارها الانحداري القاتل في الصِحَّة والتعليم كما في الزراعة والصناعة والتجارة.
قَذَف عَصْفُ الانهيار نُخبَةٌ من الأدمغة اللبنانيَّة المتألقة إلى ما وراء البِحار وسَتَنفُثُ تردُّداته الكثيرين لاحقًا. امتدَّت طوابير المَذلَّةِ من محطات الوقود إلى الافران ،فُقدت الأدوية وحليب الاطفال وحلَّق سعر الرَّغيف في مشهد أشبه بِمَخَاضِ جَبَل. بَعدَها ولِدَ الفأر ورُفِع الدَّعم بعد أن كادت جيوب المهرِّبين وأسيادهم تَنفَجِرُ طمعاً وخيانة وقبل أن يتمكن أصحاب الوعود والعهود من إصدار بطاقةٍ تمويليَّةٍ واحدة. إرتفعت الأسعار الى حدِّ الجنون وأصبح تعداد ميسوري الحال أسهل من إحصاء الفقراء ولم يُحصَ احدٌ. استمرَّ غياب شبكة الأمان الاجتماعي في بلدٍ لا يملك قواعد بياناتٍ محدثةٍ تُحصي فقراءَهُ ومُعوَزيه. تلهَّى أصحاب الشأن في تقاسم حقوق السَّحب الخاصة وهي لا تشكل بِمُجملها ضُعفَ ما كان يُهدَر على الدَّعم في شهر واحد.
وفي الوقت بدل الضائع، انهمَرَت تعاميم المركزي ألسنةً لاهبة أحرقت مدَّخرات المودعين وباستعمال النار نَفسِها استمرَّ إطفاء خسائر المصارف. إرتفع سعر صرف الدولار أكثر من ضعفين منذ تشكيل الحكومة. كَيفَ لا والسوق الموازية تزداد تفلتاً وتحكُّماً ومعها يزداد تخبُّطُ المنصَّات وفشلُها؟ ابتُدِعَت حلولٌ نقديَّة موضِعيَّةٌ الهائيَّة واهية لن تتمكن إلا من استنزاف المزيد مما لم يُسرق من أموال المودعين. دخل "توحيد سعر الصرف" إلى قائمة المفاهيم الماليَّة الفينيقيَّة الرائجة إلى جانب "إعادة إنتاج الودائع"، و"المطالبة بإفلاس المصارف"، فاغتنت المكتبة الكونيَّة. استُنفِذَت الحلول الماليَّة والنقديَّة إذ إنَّ المشكلةَ في أساسِها سياسيَّة وبامتياز!
وفي آخر الأيام والسنين كلامٌ يشكو الفَشَل إلى الشاكين منه ويسأل السائلين ودعوة إلى حوارٍ بين من لا تجمعهم مصلحة الوطن لا بل بين من يختلفون على الوطن شكلاً ومضمونًا وكيانًا وهويّة.
٢٠٢١ مرحلةٌ من درب صليب لبنان تتزامن فيها الآلام مع الميلاد ويَمتَزِجُ فيها الخوفُ مع الوجع والأمل والإيمان...
الميلاد جزء من مشروعٍ خلاصيٍ لا بد أن يَمُرَّ بالجلجلة لكي يتوَّج بالقيامة!
سيقوم لبنان حَقَّ قيامة، فالسنون بُرهةٌ في عمر الأوطان!