توافق الأضداد ... إنتخابيا
توافق الأضداد ... إنتخابيا

محمد سلام

الوكالة الاتحادية للانباء

مع إصرارنا على عدم قانونية أي انتخابات في ظل وجود السلاح غير القانوني بيد طرف مرشّح-ناخب، لا بد من مقاربة السجال الدائر حيال سيل القوانين الانتخابية لتبيان حقيقة أن المشكلة التي يتذرع بها الجميع ليست مسيحية فقط، بل هي مشكلة الجميع التي لا يتوافق الجميع على حلها.

المسيحيون، باستثناء التيار العوني، صادقون وشفافون في طرحهم لأنهم متصالحون مع أنفسهم، منسجمون مع هويتهم.

المسيحيون يريدون أن ينتخبوا نوابهم بأنفسهم، يعني بأصوات مسيحية. هذا، ببساطة شديدة، هو مطلبهم.

لماذا يطالبون بما يطالبون به؟

لأن السنة، والشيعة، والدروز يسرقون قرابة نصف النواب المسيحيين، فينتخبون بأصوات مرجّحة غير مسيحية نوابا لمقاعد مسيحية.

بصراحة وشفافية ووضوح وباحترام كلّي لجميع الناس، ألسنا نحن، السنّة، نسرق نواب المسيحيين في بيروت الغربية، وطرابلس، وعكار، ونتشارك معهم في اختيار نوابهم في دوائر أخرى؟

بصدق، ألم نرتكب نحن سنّة بيروت اعتداءاً على الطائفة الأرثوذوكسية الكريمة في انتخابات العام 1972 (وبموجب قانون الستين نفسه) وانتخبنا لها، بالنيابة عنها، ومن دون تكليف منها، نجاح واكيم نائباً، دخل المجلس راكباً على ظهر الأرثوذوكس بسرج سني ثم خرج جاثما على صدر السنة بسرج أسدي-فقيهي؟

بصدق، وشفافية ووضوح وباحترام كلّي لجميع الناس، ألم نرتكب نحن السنة في طرابلس إعتداء على الطائفة المارونية واخترنا لها في انتخابات العامين 2005 و 2009 نائبين عن مقعدها، وقد يكون الإحراج باختيار الكتائبي سامر سعادة أقل منه باختيار الشيوعي الياس عطاالله. ولكن الحقيقة تبقى أننا نحن السنّة انتخبنا بوقاحة وصفاقة نائباً للموارنة.

وكي لا نكون المعتدين الوحيدين، نسأل: هل سعادة النائب الماروني إميل رحمة انتخب بأصوات مارونية أو مسيحية عموما أم بأصوات شيعية؟

وماذا عن نواب المتن، وكسروان أيضاً؟

وبما أن المسيحيين ليسوا وحدهم الضحية، نسأل: هل النائب الشيعي في البقاع الأوسط، الصديق عقاب صقر، انتخبه الشيعة؟

وهل الصديق العزيز النائب الشيعي عن بيروت غازي يوسف انتخبه الشيعة أيضاً؟

وماذا عن مسيحيي الجنوب، الزهراني، وما بعد الزهراني. من ينتخب نوابهم، الناخب المسيحي أم الناخب غير المسيحي؟

السنة ليسوا رأس حربة الاعتداء فقط، بل هم ضحايا أيضا ... ضحايا عدم صدقية التمثيل الانتخابي، ما يطرح تساؤلات، ويكشف عن تنازلات ومقايضات:

هل نائب العرقوب البعثي "السنّي" قاسم هاشم يمثّل السنّة، أي هل تم انتخابه بأصوات السنّة؟

هل انتخب سنّة البقاع الشرقي النائبين عن المقعدين السنيين سكريّة والرفاعي، أم انتخبهما شعب نصر الله-بري؟

وماذا عن سنّة القطاع الغربي من الجنوب (مروحين وما حولها وصور وما ضمنها) هل لهم أي تمثيل نيابي، أم أننا قايضناهم بتمثيل سني من مكان آخر لا ينتخب السنة فيه نوابهم؟

كيف يتم اختيار وانتخاب النائبين السنيين في إقليم الخروب، هل بالمشاركة مع الطائفة الدرزية الكريمة أم بالمقايضة مع الحزب التقدمي الاشتراكي العلماني؟

الأمثلة التي أدرجت، والكثير غيرها، الهدف منها تبيان مدى الإلتباس في مقاربة كل الذين يتداولون في قوانين الانتخاب باستثناء حزبي الكتائب والقوات اللبنانية.

ولكن لماذا باستثناء القوات والكتائب؟

لأن الحزبين متصالحان مع هويتهما اللبنانية المسيحية. يريدان أن يأكلا من صحنهما المسيحي، على أن تكون مكونات الطبق من إنتاجهما المسيحي. هكذا يتمثلان بصدقية.

أما بقية المقاربات فإنها تريد أن تأكل مكوناتها ولكن ... من صحن غيرها.

خاصية المشكلة عند الطائفة الدرزية الكريمة تختصر بازدواجية التمثيل الدرزي للواقع الدرزي. هل الدروز يتمثلون في البرلمان بصفتهم طائفة تختار نوابها، أم عبر ثلاثة أحزاب علمانية (التقدمي الاشتراكي، الديمقراطي اللبناني، التوحيد العربي)؟

لذلك يترجم رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط موقفه برفض مزدوج: لا للدوائر الخمسين، ولا للنسبية في ظل السلاح؟

ويتمسك جنبلاط بقانون الستين (أي بقانون الدوحة) لأنه يستجيب لاحتياجاته، فيعطيه إضافة إلى نوابه الدروز نواباً من العلمانيين السنة والمسيحيين ... وربما الشيعة أيضاً.

المسيحيون، بلسان سيد بكركي، يرفضون قانون الستين بالمطلق.

تيار المستقبل التعددي يختار ما يتوافق عليه الحلفاء، فيما الحلفاء –المعلن منهم والمضمر- على طرفي نقيض.

حزب السلاح يرفض الدوائر الصغرى ويرفض قانون الستين المعدل بناء على رغبته في الدوحة. يقول إنه سيؤيد الطرح الأرثوذوكسي (الطائفة الدائرة) إذا "عرض" في المجلس النيابي.

و"إذا عرض" هذه تعني أن حزب السلاح يعي أن الطرح الأرثوذوكسي لن يحظى بأكثرية تسمح بطرحه على المجلس ، لأنه يعلم أن عون ضده، وأن ... المستقبل أيضاً ضده.

حزب السلاح أيضاّ ضد الطرح الأرثوذوكسي لأنه يحتسب النسبية ضمن الطائفة، ما يعني إتاحة المجال لأي تحالف قوى شيعية بخرق ثنائية التمثيل المسلح للطائفة.

نبيه بري يقبل بما "يجمع" عليه المسيحيون، لأنه يعلم أنهم لن يجمعوا على قانون لأن ميشال عون يريد الصوت الشيعي، وصوت المجنسين والصوت الأرمني كي ترجح كفته.

وما يريده عون هو، بالضبط، ما لا يريده المسيحيون الآخرون، باستثناء تيار المردة طبعا.

لوحة المواقف المبسطة كما أسلفناها تكشف بأن هناك "شبه توافق تعددي" على رفض الصيغ الصادقة، يقابله شبه توافق مسيحي على رفض الصيغ الكاذبة.

هذا في مواقف "القوى".

ولكن: ماذا عن مواقف الشعوب؟؟؟

ملاحظة: عفواً نسيت إدراج الطائفة العلوية الكريمة. هذه حالة خاصة جداً. لا تنتخب نائبيها، بل السنّة ينتخبون بالنايابة عنها نائبين ... "علويين".