اللاجئون السوريون، ما لنا وما علينا !
اللاجئون السوريون، ما لنا وما علينا !

مسألة اللاجئين السوريين تضع لبنان حكومة وشعباً أمام خيار صعب، فهي تطرح إشكالية أخلاقية إنسانية بالتوازي مع إشكالية وطنية بالدرجة الاولى. ومعالجة الإشكاليتين يتطلب قدر كبير من الحكمة والمسؤولية والبعد كل البعد عن التسابق السياسي والإنتهازية والإقلاع عن مقاربة مأساة بهذا الحجم من خلال شعارات شعبوية.إن مسألة اللاجئين السوريين هي أولاً مسالة إنسانية. ترتب على الحكومة اللبنانية واجبات قانونية لجهة تطبيق المواثيق والمعاهدات الدولية التي وان لم يوقّع لبنان عليها كلها فهي أصبحت جزئاً لا يتجزأ من القانون الدولي ومن هنا يترتب على لبنان مسؤوليات قانونية أمام المحافل الدولية. فلبنان محكوم ببنود ومفاعيل مواثيق وقعها مثل ميثاق مواجهة التعذيب، كما ان الدولة اللبنانية ملزمة بمبادىء وأعراف دستورية مثل مبدأ المعاملة بالمثل او مبدأ عدم الرد والتي أصبحت جزئاً لا يتجزأ من القانون الدولي.كما ان هذه الكارثة الإنسانية تضع، وهذا الأهم، الحكومة اللبنانية، والشعب اللبناني ككل، أمام مسؤولية أخلاقية وإنسانية. فبعيداً عن أي إعتبارات سياسية، تقديم العون للاجىء واجب إنساني، كما يشير اليه البند ال14 من شرعة حقوق الانسان والذي يفتخر لبنان بدوره الرائد في صياغتها، واجب ديني، تنادي به كافة الديانات السماوية ولنا في المسيحية مرجع وهو مثل السامري الصالح كما جاء في إنجيل لوقا 10-25:37. ولعلها مناسبة للتذكير ان لبنان في تكوينه هو "ملجأ". هناك من يعتبره ملجأ للأقليات، وهناك من يمتعض من المنطق الأقلي لكونه يضع المجموعات الإتنية والطائفية في حال حرب مستمرة، ولكن الكل مجمع أن لبنان وعبر تاريخه القديم والحديث شكل واحة لا بل ملجأً لكل من أتاه هرباً من الطغيان والقمع، فاستقر فيه واستفاد من خيراته، وأغناه من مواهبه. أخذ منه وأعطاه. هكذا كان الحال مع كافة المكونات اللبنانية وهذا التفاعل وان لم تكون دونه صدامات شكل الفرادة اللبنانية، فشلها ونجاحها في آن، فشلها في ان تتحول هوية لبنانية جامعة تتخطى الطوائف، ونجاحها النسبي على الأقل في إستقطاع مساحة حرية ولو في الحد الأدنى خاصة إذا ما قورنت بالمحيط العربي حيث انتفت الديمقراطية وحُجِب الوجه التعددي لهذه المجتمعات. ليس هذا المجال للغور في التركيبة التعددية اللبنانية ولكن هذا التفاعل، هذا المعطى التاريخي وضع لبنان أمام تحدٍ وأوكله رسالة انفتاح، رسالة انسانية بالدرجة الأولى وما يقلقني اليوم عند سماع بعض التصريحات أن تساهم في تجييش عواطف وصناعة خطاب يبعد لبنان عن رسالته التاريخية التي ارادها لنفسه والتي وافقه العالم عليها لانها تعالج وجعه، يبعد لبنان عن نفسه، عن إنسانيته. فما نفع لبنان لو ربح الأرض كلها وخسر نفسه. وما نفع لبنان إن خسر تاريخه وهو يحاول واهناً أن يدافع عن جغرافيته.أعلم ان ألأمور ليست بهذه السهولة وهناك تبعات خطيرة جداً تهدد لبنان شعباً وكياناً بفعل أعداد اللاجئين الوافدين من سوريا لا سيما ان ما من مؤشر، أقله اليوم، ينبىء بعودة قريبة لهؤلاء الى ديارهم، ولكني اقول هذا الكلام لأن خطر الانحراف في الخطاب السياسي يوازي لا بل يفوق التحدي الإغاثي  الإقتصادي الإجتماعي الديمغرافي لا بل الكياني الذي نواجهه اليوم نتيجة الأزمة السورية. اذا اولى متطلبات مواجهة هذه الأزمة تكمن في عقلنة الخطاب السياسي والإبتعاد عن الديماغوجية والشعبوية والإقلاع عن محاولة شحن النفوس والإستغلال السياسي البغيض لمأساة انسانية تهز الضمير العالمي. فلا يجوز ان نضيف على الجريمة جريمة. وعلى المسؤولين أن يدركوا ما عليهم من واجبات للمحافظة على مقدرات الوطن ونسيجه الإجتماعي شيء ، وأن ينقضوا مبدأ أخلاقي انساني ، وفوق ذلك كله، مكون لفكرة لبنان شيء آخر.

بالإضافة الى ذلك تأتي هذه الأزمة على خلفية صراع مذهبي مستفحل في كافة أنحاء الإقليم العربي والعالم الإسلامي كل محاولة غمز من القناة الطائفية بشكل مباشر أو غير مباشر سوف يكون لها ارتداد مباشر على هذا الصراع الدائر وتدفع في اتجاه التفجير كما تساهم في تصدير الأزمة السورية الى الداخل اللبناني.لن أدخل في أليات مواجهة تدفق اللاجئين السوريين إلى الأراضي اللبنانية، فهناك من هو أكثر إضطلاعاً مني ومعرفةً مني بالموضوع وهو يقوم بواجبه على أكمل وجه لا سيما نسبة إلى الوسائل المتوفرة لديه. ولكن سوف أشدد على نقطتين: اولاً : ولقطع الطريق امام كل محاولة لإستحضار أشباح الحرب الأهلية اللبنانية والمزايدة الطائفية خاصة عشية إنتخابات نيابية: مسألة اللاجئين السوريين تختلف كلياً عن معضلة اللاجئين الفلسطينيين. أقله لأن السوريين الهاربين من نيران الحرب الدائرة في سوريا هم مواطنون سوريون، يحملون جوازات سفر سورية، لهم وطن عاجلاً أو آجلاً سوف يعودون إليه. فسوريا وإن إختلف شكلها الإداري مستقبلاً باقية على الخارطة ولن تمحى او تستبدل كما كان حال فلسطين. أمر إستثنائي الذي جعل أي حل بمنتهى الصعوبة. ثانياً : ضرورة دبلوماسية فاعلة لمواكبة هذه المسألة. اليوم أكثر من أي وقت مضى حياد لبنان عن النزاعات الإقليمية ضروري. نعم انها لحظة سياسة النأي بالنفس. كل الأطراف الدولية والأطراف العربية بشكل خاص مدعوة لتحمل مسؤوليتها تجاه هذه المأساة لا سيما أن إرتداداتها إن لم تعالج مرشحة أن تطال عمقها على المستوى الأمني واللإستراتيجي. هذه الدول معنية بتقاسم الأعباء وإن إستدعى الأمر إستقبال أعداد من اللاجئين لا سيما اذا ما تفاقمت أعدادهم.إذا, كافة أركان الدولة مدعوون للقيام بهذا الحراك الدبلوماسي وعدم حصره بوزارة الخارجية لأسباب لم تعد غائبة على أحد. فلا ضير مثلاً أن يطلب لبنان عقد مؤتمر الدول المانحة على أرضه على أن تليه مؤتمرات لهيئات إغاثة عالمية  ومؤسسات غير حكومية ونشطاء عرب وأجانب تساهم في مواكبة العمل الحكومي ،تدعم عملاتياً وتقنياً، وتساهم في شحذ الهمم من أجل الإغاثة والقيام بما يمليه الواجب الإنساني، بما يساهم بتقريب الشعوب من بعضها بدل إبعادها و صب نار الحقد والضغينة.

twitter:@saminader