قُتل بيار الجميّل في مثل هذا اليوم. استهدفوه بدمٍ بارد وبرصاصٍ حار. في ذكراه الثامنة، اخترنا أن نزور منزله. عند المدخل يحاكيك الشيخ بيار عبر صورته وكأنّها تسأل: "مين قال إنّو بيار الجميل مات؟". وفي المنزل أكثر من صورة لـ "عريس الاستقلال". صورٌ تذكّر الزائر بأنّ بيار الجميل لم يمت. هو حيٌّ بما تركه من إرثٍ وطني، وبزوجة وولدين ورثوا عنه عشقه لهذا البلد.
يروي أمين بيار الجميّل، الذي يبدو في حديثه وكأنّه تجاوز بسنوات سنّ الرابعة عشر من العمر، ما يتذكره عن والده قائلا: "علمني والدي النشيد الوطني اللبناني، وكان دائما يوصيني بأن أتشبث بأرضي"، لافتا إلى أنه لا يعتبر أن دم استشهاد والده سيذهب هدرا لانه مؤمن بأن لبنان سيتخطى المرحلة الصعبة التي يمر بها وسيعود قويا بفضل شعبه الذي يحب الحياة.
وعمّا إذا كان يحبّ اعتناق العمل السياسي أجاب أمين: "نعم أحب السياسة، ولا فرق عندي بين الوزارة أو النيابة أو حتى رئاسة الجمهورية، لأنني اذا خيّرت بين المواقع الثلاثة فسأختار طبعا المكان الذي يمكنني أن أخدم فيه وطني أكثر".
أما زوجته باتريسيا الجميل، فتؤكد أنه لو كان الشيخ بيار موجودا في هذه الظروف لكان شعر بالحزن تجاه ما تشهده الساحة السياسية اليوم، وكان فعل أقصى ما يمكن فعله لكي لا يصل لبنان إلى هذه المرحلة، هو من وهب حياته من أجل هذا البلد.
وأشارت الجميل إلى أنها لا تمانع انخراط أمين والكسندر في المجال السياسي في حال رغبا بذلك، مشدّدةً على أن هذا المجال تحديدا لا يمكن فرضه على أحد لأنّ من يختاره يجب أن يملك القدرة على العطاء في سبيل الوطن.
وأضافت: "اذا اختار ولداي هذا المجال فسأفتخر بهما وأعرف جيدا بأن بيار سيفتخر بهما أيضا، وفي حال اختيارهما مجالات أخرى فسأكون إلى جانبهما لان ما يهمني هو نجاحهما في أيّ مجال كان".
وعن التحقيقات باغتيال الوزير الشهيد أكدت الجميل أن "الدولة اللبنانيّة تقوم بواجباتها على أكمل وجه لكن المشاكل التي تتخبط بها البلاد تمنع التقدم في التحقيقات بشكل سريع"، وختمت قائلة: "ثقتي بالدولة كبيرة والحقيقة ستنجلي في النهاية".
ليس غريباً أن يكون بيار الجميل شهيد الاستقلال لأنّ القتلة لا يريدون وطناً حرّاً مستقلاً، بل يريدون فراغاً يَستولد فراغاً، حتى تخلو الساحة، ساحة الوطن، لآلات قتلهم واجرامهم وحقدهم الخبيث. خافوا بيار الجميل لأنّه لا يراوغ. استهدفوه لأنّه الأقوى وما همّهم من الضعفاء!
لكنّهم كم كانوا أغبياء، فهم لم يدركوا قول الشاعر:
"كم مات قوم وما ماتت مكارمهم... وعاش قوم وهم في الناس أموات".