هكذا وقع الانفجار أمامي...
05 Jul 201611:42 AM
هكذا وقع الانفجار أمامي...
ها أنا أنهيت عملي وتوجّهت إلى سيّارتي كي أعود إلى بلدتي في جبيل، لكن وبطبيعة الحال يعيش اللبناني غالبية أوقاته على الطرقات بسبب زحمة السير التي تلاحقه في مختلف المناطق. أطفأت الموسيقى التي أعشقها، فقط لأنّ التعب تغلّب على تركيزي وقوّتي وحتى سمعي.
ها أنا أقود سيّارتي بهدوء وأفكاري تقودني إلى قيلولة في غرفتي المبرّدة بعيداً عن حرّ ألهب جسدي. أقود سيارتي وأفكاري تقودني إلى طعام أمّي اللذيذ، "ملوخيّة" اشتقت إلى تذوّقها من أناملها السحرية. أقود سيارتي بسلام وأفكاري تقودني إلى حبيبي الذي طلب منّي أن أرتدي أجمل فستان عندي، فمفاجأة في المساء تنتظرني. أقود سيّارتي وفجأة أسمع دوي إنفجار أطفأ عينيّ وأصمّ أذنيّ وأبكم فمي، إنفجار أوقفني عاجزة في مكاني "يا عدرا شو عم بصير؟" هذه كانت أولى جملي ولا زلت جاهلة ماذا يحدث...
للوهلة الأولى لم يستوعب عقلي ما رأته عيناي. دخان متصاعد يتآكل الموقع، دخان أسود يُعمي رؤيتي، تلمّستُ يديّ ورجليّ ووجهي كي أتأكد من عدم إصابتي، كي أحاول التفكير وبسرعة خيالية، أهو إنفجار؟ هذا مؤّكد. لكن من المستهدف؟ أهو سياسي "رئاسيّ"، إقتصادي "نفطيّ"، إجتماعي "لاجئيّ"؟ أهو تفجير إنتحاري؟ أم عبوة ناسفة؟
أوّل ما خطر في بالي هو أن أراسل محطّتي من أجل "Scoop" يسبق باقي المحطّات فهذا حقّي الشرعي. لكن أين جوّالي؟ فأنا متربّصة على الكرسي غير قادرة على التحرّك ولا زلت جاهلة ماذا يحدث...
وبالرغم من أنّ الرجفة كبّلتني، لكنني بدأت أحدّق من حولي، كي أرى المشهد الذي صعقني... على يميني صاحب سيارة ركنها جانباً وهرول منها صارخاً "دخيلك يا ربّ نجيني"، وعلى يساري من يجري إتصالات بعائلته، أو عمله أو ربّما يستدعي بعض المسعفين... ولا زلت جاهلة ماذا يحدث...
لكن مهلاً، "تنفّسي" تمتمت لنفسي، ها أنا أشاهد شاحنة ماردة أمامي لكنّ أين الإنفجار؟ ها هي القوى الأمنية توقف السير كي يتوّجه سائقها إلى "بورة" فارغة... لكن مهلاً أين الإنفجار؟ ركنها جانباً قبل أن تلوي علينا "الحمدالله"... ولكن أهناك إنفجار؟
بلى، وقع انفجار ضخم في مخيلتنا، أمّا في الواقع فالإنفجار مقتصر على إطار شاحنة تمزّق فمزّق أحشاءنا، "دولاب" أصحى الوحش الراكد في داخلنا، "دولاب" أصابنا في الصميم وأشعل نقطة ضعفنا، "دولاب" جعلنا ندرك أننا شعب أصبحت تُخيفه "فتّيشة"، خصوصاً أننا نعيش وسط حوادث أمنية دقيقة، معزّزة بمبالغة بعض وسائل الإعلام وتحليلاتها التي "تزيد الطين بلة"... "دولاب" أيقظ قصّة لبناني خائف.