علي الحسيني
المستقبل
بعد ثلاث سنوات على اغتياله في وسط بيروت، وسط الألم ونقطة التقاء شهداء الحريّة قبل رحيلهم وبعده، ما زال الوزير الشهيد محمد شطح حاضراً بأفكاره الاستراتيجية العابرة للطوائف والمذاهب، أفكار تعدت الزواريب الضيّقة وتخطّت المصالح، فجعلت من صاحبها هدفاً للإغتيال والتصفية الجسدية كرد على مشروع الإستقلاليين في البلد القائم على كيفية تحييد لبنان إقليمياً من دون تحييده عن القضية الفلسطينية والذي اتخذ من «إعلان بعبدا»، مُنطلقاً للتحييد ولرسم خطة استراتيجية حقيقية لما يسمّى القضية اللبنانية.
إنفجار ضخم يهز اللبنانيين وعاصمتهم بيروت بالتزامن مع اجتماع سياسي لقوى الرابع عشر من آذار كان سيُعقد في «بيت الوسط» لمتابعة مقررات «اعلان طرابلس»، ومع كلمة «الله يستر»، العبارة التي كان ولا يزال يرددها الشعب اللبناني عند سماع صوت تفجير، انجلت أعمدة الدخان الأسود ليتبيّن أن المستهدف هو مستشار الرئيس سعد الحريري الوزير السابق محمد شطح صاحب الشخصية العاقلة المُتزنة الذي حاور الجميع بمن فيهم الخصوم السياسيون من موقع المواطن الخائف على وطنه من الترددات الإقليمية، ومن أفكار وأوهام بعض من هم في الداخل، لادراكه بأن البلد لم يعد يحتمل تشرذماً بين فئة وأخرى.
قبل أن يتحوّل السابع والعشرون من كانون الأوّل عام 2013، من يوم مُشرق الى يوم مسكون بالخوف والرعب، كان كل شيء يسير بشكل طبيعي وكانت ساعة بيروت موصولة مع موسيقى كلاسيكية تجذب اليها السياح وتبعث الطمأنينة في نفوس أبنائها وزائريها، لكن وفي لحظة من الزمن تحوّل كل شيء الى كابوس. مشهد لن تُمحوه السنون من الذاكرة، فالوزير شطح ممدداً على الأرض بعدما دفعه عصف الإنفجار خارج سيارته الرباعية الدفع، وبعيداً منه مرافقه الشهيد محمد طارق. وفي الوجدان، يبقى إلى جانب الصورة المؤلمة، مشهد الفتى محمد الشعار الممدّد على الرصيف جرّاء إصابة بليغة في رأسه نتيجة التفجير نفسه.
من المؤكد ان من ارتكب الجريمة أراد إيصال رسالة في المقابل، رسالة تقول، إن لا معتدلين على الساحة، بل هناك متطرفون فقط يقتلون ومن ثم يسرحون ويمرحون على كيفهم، ولذلك يجب أن يبقى لبنان تابعاً. لكن الجميع مُقتنع أن من اغتال الرئيس رفيق الحريري وقافلة الأسماء التي تلته، ومن يحاول عرقلة عمل المحكمة الدولية ومن يحارب القرارات الدولية، هو من اغتال محمد شطح الذي كان قد أعلن قبل أسابيع قليلة من اغتياله خلال لقاء صحافي معه الآتي: «يوم استشهاد اللواء وسام الحسن كان يفترض بالجميع ممّن هم في الخط السيادي، أن يقوموا بخطوة ما تعبّر عن حجم الكارثة التي حصلت إذ لا يجوز السكوت في كل مرّة عن الاغتيالات التي تطاول فريقاً محدداً والاكتفاء بمشاهدة بعضنا بعضاً كيف نسقط واحداً تلو الآخر من دون أن يرفّ أي جفن للفريق الآخر«.
كان للاغتيال وقع كالصاعقة على قوى 14 آذار وعلى «بيت الوسط» الذي كان مقصده الأخير حين تمكن منه القتلة على الطريق الذي سلكه قرب مبنى «الستاركو». الرد الأول يومها صدر عن الرئيس سعد الحريري الذي رأى «ان الذين اغتالوا محمد شطح هم الذين اغتالوا رفيق الحريري والذين يريدون اغتيال لبنان وتمريغ أنف الدولة بالذل والضعف والفراغ»، مؤكداً «إنها رسالة ارهابية جديدة لنا. ارهابيون وقتلة ومجرمون يواصلون قتلنا امام بيوتنا ومكاتبنا وفي مدننا وساحاتنا وشوارعنا. إن المتهمين بالنسبة الينا وحتى اشعار آخر هم أنفسهم الذين يتهربون من وجه العدالة الدولية ويرفضون المثول امام المحكمة الدولية».
وفي حديث لعمر شطح، نجل الوزير الشهيد محمد شطح، يقول: « قبل ساعات قليلة من استشهاد والدي، كتبت له رسالة عبر «الواتساب» اخبرته عن اشتياقي له ورغبتي في أن يكون مع العائلة خلال الأعياد. يومها كانت الساعة تشير الى العاشرة مساء بتوقيت الولايات المتحدة، وأذكر أني غفوتُ على الكنبة في تلك الليلة، لكنني استيقظتُ على اتصال من صديق يخبرني بما جرى في بيروت«. وفي اليوم نفسه من الإستشهاد، علّق أحد النواب السياديين بالقول: «وزراء ونواب وشخصيّات من جهة محددة، يتجولون مع داعميهم بحرية على كامل مساحة الوطن من دون خشية وأحياناً بالقرب من الشريط الحدودي المواجه للعدو الإسرائيلي، بينما نحن الذين يتهموننا بأننا عملاء ومأجورون، نُقتل في كل يوم من دون حسيب أو رقيب. ألا يدعو هذا الامر إلى التساؤل والإستغراب؟«.
بين الوزير الشهيد محمد شطح السياسي الذي كان يطمح بالوصول الى وطن موحد تجتمع فيه كل طوائفه ومذاهبه تحت سقف قانون دولته ومرافقه الشخصي محمد طارق بدر الساعي الى تأمين لقمة عيشه وحياة كريمة وحلمه الضائع ببناء عائلة، وبين التلميذ المتفوق محمد الشعار الشاب الحالم والموعود بمستقبل مزهر وصاحب الصورة التي لن تُمحى من الذاكرة، حكاية حلم ضائع لوطن ما زال ابناؤه يروونه بدمائهم منذ عهد الاستقلال وكأنه كُتب عليهم ان يرووه كلما جفت أرضه، فهنيئاً لوطن بأبناء ساروا في عجلة من امرهم فولّوا وجوههم شطر الله قرأوا فاتحة سنينهم القادمة ومضوا الى الرفيق الاعلى.