حادثةٌ تستحق أن نقف عندها، كونها تضعنا أمام واقع مرير، صادم، تكاد تَقشعرّ له الأبدان. حادثةٌ ربطت فمي وأفكاري وكتاباتي، ورمتني لا حول لي ولا قوّة بوجه مارد من التساؤلات المفاجئة.
إنها تالين، ابنة أختي التي اختارت أن تحتفل معي ليلة رأس السنة، كي لا أكون بمفردي، فحبيبي لطالما ناداه الواجب في هكذا مناسبات، هو الذي يحمل لبنان في جعبته، ويلبّيه بأصول مُتقنة وحبٍّ رهيب. مرّة أخرى عاش احتفاله على الطرقات، كي نعيش احتفالاتنا بسلام.
لعبنا، سهرنا، هيّصنا، رقصنا وكم كان رقصنا مُمتعاً، لكنكم لن تصدِّقوا ما حصل.
أغنيةُ "نحن جيشك يا وهّاب" مع استعراض لـ"سرايا التوحيد" في مهرجان في الجاهلية، قلبت مقايس ليلتنا... فما لبثت صغيرتي أن رأت شباناً ملثّمين، باللباس الأسود، حتى أبصرتُ على وجهها صدمة لم أرَ مثلها من قبل. بعضهم هبط من أعالي السقوف بواسطة الحبال، فهبط قلبها الصغير معهم. وبعضهم مشى مشية عسكريّة مُتقنة، فمشت خطواتها إلى الوراء كي يُجلسها الخوف بجانبي.
للوهلة الأولى تأكدت أنني لن أنجو من أسئلتها الكثيرة. وضعتني على كرسي الإتهام وبدأت باستجوابي: "خالتو هودي بأي بلد؟" صدمتني، لم أتوقّع هكذا سؤال، فأدرت وجهي نحوها وابتسمت قدر المستطاع: "هون يا عمري بلبنان".
أجبتها، لكنّ المسألة لم تمرّ مرور الكرام، كي تكمل بوتيرة أسرع: "بلبنان؟ لي ليبسين أسود هيك؟ مين هني؟ شو بيعملوا؟" مهلاً، أمِنَ العدل أن ندع ابنة الـ7 سنوات تحمل مسؤولية أفكار ليست مرغمة عليها؟ نظرت إلى أمّي كي أنتقي من عيونها جواباً يُساعدني، لكنني فشلت.
حادثةٌ رويتها لكم بسطورٍ قليلةٍ، لكنها حُفرت في عقلي بمقاطع من المستقبل المجهول، ووضعتني أمام قضيّةٍ وطنيّةٍ لم ولن تُنسى، أوليس "كل ما يستطيع الصغار عمله للكبار هو أن يصدموهم ويبقوهم على إيقاع العصر؟".
غمرتها، هدّأت من روعها، ورندحت لها أغنيتها المفضّلة: "عم بحلمك يا حلم يا لبنان".