وبعد هذا الكلام، رفع عينيهِ إلى السَّماء وقال "يا أبي أتت السّاعة...".
هو يسوع الناصري الذي صام أربعين يوماً ليسجِّل انتصاراً على الشرّ لحسابنا، فقد أعطانا البركة وادّخر لنا قوّة بواسطة الصوم المقترن بالصلاة والتأمل والإيمان وأسرار الكنيسة.
يسبق الصوم المعمودية المقدّسة، ويسبق التناول من جسد الرب ودمه، ويسبق مسحة الميرون، ويسبق سيامة الكهنة وخدمة الكهنوت، ويسبق سر مسحة المرضى الذي تكثر الكنيسة من ممارسته في الصوم المقدس وفي يوم جمعة ختام الصوم. أيضاً هو الإمساك عن الطعام والشراب لفترة من الزمن بغرض الاقتراب إلى الله في توبة وإيمان، على أن يسبقه خميس السكارى خلال أسبوع المرفع.
من هنا أكد الأب بديع الحاج لموقعmtv أنّه "منذ 5 سنوات تقريباً، بدأ موضوع "خميس السكارى" يأخذ منحى خاطئاً لا يُشبهه، خصوصاً عندما استبدل البعض كلمة "سكارى" بكلمة "ذكارى" بهدف تسليط الضوء على تذكار الموتى، ممّا يُبعد الموضوع عن أساسه أكثر فأكثر، فلغويّاً لا وجود لكلمة "ذكارى" في أيّ معجم".
ولفت الحاج إلى أنّ "هذا النهار يحتفل فيه الإنسان بأكل اللحم وشرب الخمور فـ"قليل من الخمر يُفرح قلب الإنسان"، خصوصاً أنّه يكون خلال أسبوع المرفع الذي نودِّع بعده الأطعمة هذه لنترفّع بعده عن الزَفر ونكتفي بالبقول طيلة فترة الصوم المبارك".
وشدّد لموقعنا على أنّه "تاريخيّاً كانت بعض الحضارات كالرومان والفينيقييّن، تقيم الموائد المؤلّفة من اللحوم والكحول و"الزَفر"، وسط احتفالات كبيرة، بعيدة عن مفهومنا، فنحن المسيحيّون اكتفينا بالكلمة (السكارى) وغيّرنا المضمون كي يتمحور حول فكرة واحدة وهي الفرح الذي نعيشه لنُحضِّر أنفسنا للصوم الى حين وصولنا إلى القيامة الممجّدة، فتعود حياتنا حينها إلى مجراها السابق ويكون الفرح علامة فارقة عند المسيحيّين".
وعلى صعيدٍ موازٍ، كتب الراهب اللبناني الماروني الأب يوحنا جحا على صفحته الخاصة على "فيسبوك": "قصّة خميس "الذكارى" أتت نتيجة لمحاولة إسقاط المعنى الروحيّ على مناسبة دينيّة اجتماعيّة عائليّة، ربّما بسبب تمادي البعض في الشرب حتّى الثمالة"، وبما أنّ شعبنا يتماشى بسرعة مع كلّ جديد ويتبنّاه، فقد تحمّس الغيارى على الروحانيّات، وتبنّوا هذه الفكرة على مواقع التواصل الإجتماعي".
وبعد البحث في الموضوع، عثرنا على مرجع سريانيّ يؤكِّد أنّ: "خـَمـْشي شابا دْسَــكاري"، أي خميس السكارى، هو "تقليد شعبيّ أخذ عليه اهل برطلي منذ زمن قديم وقد يذكره البعض بأنّه عادة قديمة في الشرق المسيحي وربما في الغرب ايضا، وفحواه انه في يوم الخميس الذي يسبق الصوم الاربعيني الكبير، يتوجّب على رجال القرية وخصوصاً من الشباب المتزوّجين أو العازبين تناول الخمر، وهو المشروب الروحي الوحيد الذي كان متوفراً في تلك الايام، علماً انه كان يُحَضّر ويُصَنّع في بيوت القرية، فتعمر الموائد خصوصاً باللحم الذي يكون مخزوناً في الدار والذي يتوجّب التخلّص منه خلال هذه الايام قبل الصوم، فيتجمّع الاصدقاء والاقارب لعقد جلسات في هذه الليلة التي سوف تطول ايام عودتها، لانهم مقبلون على زمن الصوم".
وتجدر الإشارة إلى أنّه منذ القدم كان شائعاً أنّه من لا يتناول الخمر في مثل هذا اليوم يسقط اقرباؤه، فالمتزوج يقال له سوف تسقط زوجته، والخاطب خطيبته، والعازب حبيبته أو أمه أو أخته، وطبعاً هذا الادعاء بعيد عن الحقيقة ولكن يستخدمه البعض كذريعة لإرضاء نفسه في شرب الخمر أيضاً.
لذلك في أسبوع المرفع نتذكّر موتانا، فتذكار الموتى لا يرتبط بيوم الخميس بل بيوم السّبت إذ فيه نزل يسوع المسيح الى مثوى الجحيم ليُحرّر سكان القبور من الموت الابدي.
فلنتوقّف إذاً عن "روحنة" العادات الشعبيّة "قبل صياح الدّيك"...