لبنانيّة في باريس: سرقة وصراخ و... مكافأة صادمة
لبنانيّة في باريس: سرقة وصراخ و... مكافأة صادمة
29 Jun 201706:29 AM
لبنانيّة في باريس: سرقة وصراخ و... مكافأة صادمة

حلمتُ بها منذ نعومة أظافري، حلمتُ بها بشوقٍ وحبٍّ وأملٍ وكلّ تلك الصفات الجميلة الرنّانة. حلمتُ بها وبأصالة تاريخها وفنّها ورقيّها. حلمتُ بها وأسميتها "باريستي"ولم أعرف سبب هذا الحلم.



لربّما إنتدابها أثّر بتكويني بالرغم من أنني لم أشهد عليه لكنني حتى الساعة لا أنسى أستاذي في الجغرافيا "إنتي وشَكلِك برهان على الإنتداب الفرنسي بلبنان". لربّما بسبب عشقي لأسطورتها داليدا التي لن تتكرّر، لربّما لغتها التي أتقنتُها كلغّة ثابتة منذ طفولتي، أولسنا البلد الفرنكوفوني العريق الذي تتألق فيه الثقافة والحضارة المميّزتين؟ إذاً تعدّدت الأسباب والحلم المطلوب واحدٌ.



المطلوب أن أزورها وزرتها، المطلوب أن أكتشف سحرها واكتشفته، المطلوب أن أُغرم بها واغرمت... كي يُصبح الحلم واقعاً أذهلني، رأيته كما تصوّرت وعشته كما تخيّلت، إلى أن حصل ما لم يكن في الحسبان... فتذكّرته.
أعطتني باريس ذكرياتٍ لا تُنسى بكنائس تزورها مختلف الأديان من دون أي حساب للإختلاف، فهناك للتنوّع تعريفٌ آخرٌ... وتذكّرته. أعطتني ذكريات لا تُنسى عن ناسٍ يبتسمون من دون سبب، يحترمون قوانينهم من دون "فخفخة"، يجعلون من يوميّاتهم مصدراً لحياة بسيطة، هادئة. حياةٌ... كم نحتاجها بشدّة، لكنّني أعود لأتذكّر فولتير "خبز الوطن خيرٌ من كعك الغُربَة".
أعطتني باريس ذكريات لا تُنسى، وحصل ما لم يكن في الحسبان: السرقة.



كما معظم السيّاح، لا يمكنني أن أعود إلى دياري من دون هدايا تذكاريّة من السوق الشعبي المعروف في Montmartre، فتعرّضت وأختي ورفيقنا للسرقة هناك. بدأت بالصراخ من دون وعي، وما هي إلاّ ثوانٍ لم نلحق أن نعدّها، حتى التفّ علينا أكثر من 20 شرطياً، حاصرونا وحاصروا السارق، هدّأوا من روعنا ولقّنوه درساً يستحقّه في مخفرهم، الذي مررنا على ثلاثة حواجز تفتيش لنصله، أرغموه على الإعتذار منّا منحني الرأس مراراً، ذلّوه إذلالاً رهيباً، لأنّه زعزع أمنهم المقدّس، كي نتلقّى الصدمة الأكبر، مع اكتشافنا أنّ شرطتهم كانت مغروزة بلباسٍ مدنيٍّ بيننا، فالبائع شرطيّ والشاري شرطيّ والسائح شرطيّ، وكلّ فرنسيّ... شرطيّ. إنهم موجودون في كلّ مكان، فبربّكم كم نحتاج لحماية فعاّلة، سريعة كحمايتهم؟



للوهلة الأولى، تخيّلتُ نفسي شخصيّة سياسيّة مرموقة، أفليس "السياسيّ المرموق" وحده محميّ في وطني؟ سمعت الكثير من الـMerci، لعلّها الأكثر في حياتي، ففكّرت، أحقاً يشكرونني على صراخي؟ نعم فالشكر عندهم واجب، خصوصاً أننا ساعدناهم "بالصدفة" على توقيف سارق مخضرم، روماني الجنسيّة ومطلوب بمذكّرات عدّة، ولن تصدِّقوا ما كانت المكافأة...



قصر الإيليزية، هديّتنا الرمزية من شرطة فرنسا التي أبَت أن تتركنا نعود إلى بلدنا ونحن خائفون أو خائبون منها، فأوصلتنا إليه بموكبٍ من سيّاراتها المحصّنة أمنياً، جُلنا حول قصر الرئيس الفرنسي ومنزل رئيس مجلس الوزراء ورأيناهما بعيونٍ لم تُصدِّق ماذا يحصل... وبالطبع تذكّرته.



من الذي لم أكفّ للحظة عن تذكّره؟ إنّه لبناني، هو الأوّل والأخير، هو الذي لم ولن أبدّله بعواصم وقصور العالم أجمع، لكنّ السؤال هنا لا بدّ منه: أمحتّمٌ علينا يا وطني أن تكون "القوّة في الغربة وطن، والضعف في الوطن غربة"؟