هذا المشهد الحزين يكاد يكون مألوفاً على مختلف طرق لبنان.
فهو ليس إلاّ مرآة تَعكس واقع شعب بأسره، وجيلٍ بأكمله، هو واقعٌ فرضته عليهم الحرب التي لم تميّز يوماً بين طفل وكهل ومجرم وإرهابي وبريء...
تلك الحرب هي التي حملتهم الى المجهول ورمتهم بين أحضانه... تماماً كمشهد تلك الصّورة، التي يكفي أن تتمعّن بها وبوجوه أبطالها، حتى تذرف الدّموع امتعاضاً، وتسأل آلاف الاسئلة استنكاراً: "ما ذنب الطّفولة"؟
لسنا هنا بوارد لوم الاهل الذين يعرّضون أولادهم للموت بشكل فاضح، هم الذين حاولوا حمايتهم من موتٍ من نوع آخر في بلدهم سوريا. من الموت ذبحاً على أيدي "داعش"، أو الموت بقذيفة ما، أو حتّى الموت خوفاً من الموت بحدّ ذاته...
هم أنفسهم هؤلاء الاهل، يعرّضون أولادهم الذين قرّروا حمايتهم، للموت السخيف في بلد الهجرة لبنان. لن نلومهم فإمكاناتهم الماديّة قليلة جدّاً، لا بل معدومة، ولكن ألم يجدوا وسيلة أخرى لنقل أولادهم من منطقة الى أخرى إلّا بواسطة هذا الـ" بيك آب"، الذي ينقل "عفش" المنزل.. وهم بـ"الضّهر"!!
هم أيضاً يعرّضون السيّارات التي تمرّ خلفهم، وقربهم، لخطر بالغ، ألم يعوا ان "لحسة افرام" واحدة كفيلة بسقوط ولد من الاولاد على الاوتوستراد، وبالتالي تعريض سائق السيارة خلفهم لسجن مؤبّد؟
أجدّد تشديدي على انّنا لا نلومهم، خصوصاً بعد النّظر في عيونهم المليئة بالحزن والاسى، واليأس... ولكن أمام هذا المشهد لا يمكننا إلّا ان نلفت أنظارهم الى دورهم، هم الجبابرة الذين لم تقوَ عليهم الحرب المدمّرة في بلادهم، فليتمسّكوا بقواهم وبإرادتهم، وليفكّروا مرّتين، وبوسيلة أكثر أماناً، للتجول مع أولادهم... فهذه مسؤوليّتهم، مهما كثرت عوائق الحياة أمامهم.
وكلمة أخيرة لهم: "أنتم أهل، كونوا على قدر تلك المسؤوليّة وعلى قدر تلك التسمية، لتليق بكم فعلاً"...