رياض طوق
شاهد كثيرون مسلسل "فوضى" الذي عُرض خلال موسمين على شبكة "نتفليكس"، وتدور أحداثه في الضفّة الغربية ويظهر بعض تفاصيل الصراع السرّي الدائر بين المقاومة الفلسطينية وبين جهاز مخابرات اسرائيلي يسمّى الوحدة 504 أو وحدة مكافحة الارهاب، وفق التعبير الاسرائيلي. أما الفلسطينيون فيطلقون عليه اسم وحدة "المستعربين".
من شاهد "فوضى" قد يظنّ بأن نطاق عمل هؤلاء ينحصر في الضفة، أما الحقيقة فهي أن هؤلاء يعملون في كل بقعة يمكنهم أن "يستعربوا" فيها والبارحة كانوا في لبنان، وربما لا يزالون.
من شاهد "فوضى" قد يظنّ بأن نطاق عمل هؤلاء ينحصر في الضفة، أما الحقيقة فهي أن هؤلاء يعملون في كل بقعة يمكنهم أن "يستعربوا" فيها والبارحة كانوا في لبنان، وربما لا يزالون.
منذ ايام، أعلنت المديرية العامة للامن العام في بيانٍ لها بأنّها، وضمن إطار متابعتها لعمليات مكافحة التجسس لصالح العدو الاسرائيلي، وتفكيك الشبكات التابعة له في الداخل اللبناني، وبنتيجة المتابعة الدقيقة والمكثفة، أوقفت اللبناني الكندي (ف.ج.) مواليد 1978 بناءً لاشارة النيابة العامة العسكرية.
وذكر بيان الأمن العام بأن ف.ج. "اعترف خلال التحقيق انه خلال العام 2013، تم تجنيده عبر العميل الفار اللبناني (ن.ج.) الذي يشغل منصب رئيس شبكة في الوحدة 504 في استخبارات كيان العدو الاسرائيلي وبأنّه كلّف بمهام تجنيد اشخاص لبنانيين لاختراق البيئة الحاضنة لحزب الله، وجمع المعلومات الامنية لصالح مخابرات العدو، والوصول لمعلومات عن الطيار الاسرائيلي رون اراد والتحضير لدخول اراضي فلسطين المحتلة".
لقد دأبت الأجهزة الامنية اللبنانية، منذ مدة، على اكتشاف عملاء وشبكات تجسّس وتوقيفهم، وهم في العادة من "الموساد" وهو جهاز الاستخبارات الاسرائيلي العالمي الذي يتجسّس في مختلف الدول لصالح الحكومة الاسرائيلية ما عدا الدول المحيطة بفلسطين المحتلة وتسمى دول الطوق أي لبنان، سوريا، الأردن ومصر. ففي هذه البلدان ينشط جهاز "آمان" الذي تنحصر صلاحياته الاستخباراتية داخلها. ولكن توقيف اللبناني- الكندي "ف.ج." في بيروت يطرح علامات استفهام أمنية عدّة لا سيّما في هذه المرحلة التي تصعّد فيها اسرائيل عسكرياً وسياسياً.
فالتحقيقات أظهرت، وفق بيان الأمن العام، أنه يعمل لصالح العميل اللبناني "ن.ج." أي نضال جمّال. جمّال هو أحد الأسماء التي برزت في الجنوب اللبناني في أوائل التسعينات وكان يعمل من ضمن الوحدة 504 التي كانت تنشط في الجنوب آنذاك كما تنشط اليوم في قطاع غزّة. وانتقل الى داخل الأراضي المحتلة في فلسطين ليستمرّ حتى الساعة هناك. "المستعربون" هو الاسم الرديف للوحدة 504 وهم في العادة من الاسرائيليين ويطلق عليهم هذا الاسم نظراً الى أن كافة ضباط هذه الوحدة وعناصرها هم من الذين يتحدثون كل اللهجات العربية من اللبنانية والشامّية والمصرية والخليجية وصولاً الى لهجات المغرب العربي. وهم يعرفون ثقافة وتقاليد وأخبار المدن والبلدان العربية ويحفظون غيباً كل ما يمتّ الى القرى والبلدات بصلة، من أسماء وعائلات ومواقع وأحياء وشوارع وعادات وأعراف. لا بل أنه يتمّ اختيار عناصر الوحدة من أصحاب البشرة السمراء والملامح الشرقية كي لا يثيروا الشبهة خلال تواجدهم في المناطق العربية.
نضال جمّال هو لبناني يشغل اليوم منصب رئيس شبكة داخل الوحدة نظراً الى خبرته الواسعة وتمرّسه في العمل التجسّسي. هذا الجهاز يسمّى "الميني-موساد" ومن المهام المنوطة به توفير المعلومات لقادة الكتائب في جيش الاحتلال الذين يتواجدون في ساحة المعركة، وأيضا تجنيد العملاء في البلاد العربية إضافة الى التحقيق مع الأسرى في الأوقات العادية وفي أوقات الحرب. لذا فإنّ نشاطه الملحوظ المستجدّ على الأراضي اللبنانية هو مؤشّر لتصعيد أمني ضدّ حزب الله. فالموقوف "ف.ج."، وفق افادته، قال إنّه كُلّف بجمع المعلومات عن الحزب واختراق بيئته الحاضنة ولكن القاء القبض عليه سبق قيامه بأي عمل تجسسي. فهو وصل قبل أيام عدّة الى لبنان آتياً من كندا. وفي مراجعة سجله يظهر بأنه كان قد سجن في لبنان بتهمة التعامل مع العدوّ بعد ان كشف أمره عام 1999 اذ كان سافر الى قبرص واجتمع مع أحد الأمنيين في السفارة الاسرائيلية في نيقوسيا تمهيداً لتجنيده. وبعد أن أنهى فترة سجنه في لبنان سافر الى كندا واستقرّ فيها. وبالرغم من أنه كان يتردّد الى لبنان بين الفترة والأخرى الّا انه انقطع عن زيارته منذ سنة 2014. وفي أول دخول له الأسبوع الماضي ألقى الأمن العام اللبناني القبض عليه.
يقوم أفراد الوحدة الذين خضعوا لتدريب في علم النفس وآلية استخلاص المعلومات بسرعة باستجواب الأسرى ميدانيًا، وتطبق تلك المهمة خلال العدوان والاجتياحات التي تقوم بها قوات الاحتلال في الأراضي الفلسطينية وأهمها مناطق قطاع غزة.
وينقل الكاتب الإسرائيلي في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية "عميت ليفينتال" عن أحد قادة الوحدة قوله: "ان المحققين الميدانيين لا يعرفون شيئًا مسبقًا، وعليهم التحقيق مع الشخص، من هو وماذا يفعل في المكان، وكيف وصل إلى هناك، وعلى الوحدة التحقيق في ما يحدث ميدانيًا، وما هي مخططات الخلية وتسلسل الأحداث والمعدات التي تملكها، وعليها أن تفهم من يقف أمامها، والعثور على شركائه، حتى يتم في النهاية إحباط العملية الناشئة".
ومن هنا يعتمد جيش العدوّ على "المستعربين" لاجراء التحقيقات الفورية في ارض المعركة مع العناصر التي يتمّ أسرها لاستخلاص أكبرعدد ممكن من المعلومات المفيدة لهم في أرض المعركة. فهل يكون نشاط الوحدة مقدّمة لادخال "مستعربيها" الى الداخل اللبناني تمهيداً لحرب قادمة لطالما لوّح بها أخيراً رئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتانياهو، منذ أن أثار قضية الأنفاق في الجنوب اللبناني؟