آخر فصول حرب جرمانوس - عثمان... وما علاقة باسيل؟
03 May 201906:21 AM
آخر فصول حرب جرمانوس - عثمان... وما علاقة باسيل؟
رياض طوق

رياض طوق

بعد اكثر من شهر على تقاذف الاتهامات والتسريبات عبر وسائل الاعلام بين المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي من جهة ومفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس من جهة أخرى، قام القاضي جرمانوس بالادّعاء على مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان وتحويل الادّعاء الى قاضي التحقيق العسكري الأول القاضي فادي صوّان.


سياسياً، ومنذ أسابيع خلت كان يبدو لأي مراقب بأن التحقيقات والتوقيفات التي تقوم بها شعبة المعلومات في ملفّ الفساد القضائي خارجة عن نطاق التجاذبات السياسية، وبأنها تحوز على غطاء معظم أركان الدولة. وهذا ما أكّده في أكثر من مناسبة رئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل عندما كان يقول بأنه لا حصانة على أيّ قاضٍ مرتكب. ولكن بقي ملفٌّ واحدٌ عالق أمام التفتيش القضائي، هو ملفّ مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس. أكثر من وسيلة اعلامية واكبت التحقيقات التي تتعلّق به. فهناك من تبنى وجهة نظره وآخرون هاجموه أو كشفوا معلومات تتّصل بالملف.

 

 

وبقيت هذه التجاذبات الشبيهة بالرّكل تحت الطاولة الى أن قرّر جرمانوس الدخول في مواجهة مفتوحة يوم سطّر استنابة قضائية وكلّف قائد الدرك العميد مروان سليلاتي بايداعه لائحة تتضمّن كافة أذونات ومخالفات البناء المتعلّقة بالمديرية العامة لقوى الامن الداخلي بالاضافة الى لائحة بالآبار الارتوازية التي تحفر في المناطق. ولكنّ هذه الاشارة القضائية لم تنفّذ بعد أن طلب مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان من الدرك ايداعه حصراً الاستنابات القضائية لكي يرفعها بدوره الى وزيرة الداخلية ريّا الحسن. وهناك كلام في أروقة المديرية يعتبر هذا الاجراء القضائي ردّة فعل من قبل جرمانوس. ويصفونه بأنه امرٌ كيديّ، اذ أن أذونات البناء وحفر الآبار موضوع قديم جديد بمثابة أمر واقع في كافة عهود المدراء العامين المتعاقبين، وبعلم وموافقة من السلطة السياسية، ويسألون عن تحريكه اليوم من قبل قاضٍ استدعي الى التفتيش القضائي بناءً على التحقيقات التي أجرتها شعبة المعلومات برضى السلطة القضائية وباشرافها؟

 

 

اليوم، وبعد مرور حوالي أسبوعين على عدم تنفيذ قائد الدرك لاشارة مفوض الحكومة بناءً على أمر من اللواء عثمان، ها هو مفوّض الحكومة يدّعي على مدير عام قوى الأمن بجرم عدم تنفيذ قرار قضائي ويحوّل الملف الى قاضي التحقيق العسكري. واللافت في القضية، أنه تزامناً مع المفاجأة التي فجّرها القاضي جرمانوس، تمّ ابلاغ قائد الدرك العميد مروان سليلاتي من قبل مرجعية سياسية أساسية في الدولة بشكل واضح بأن عليه تنفيذ الاشارة القضائية وايداع مفوّض الحكومة ما كان قد طلبه سابقاً بشأن اذونات ومخالفات البناء. والجميع يعرف بأن قائد الدرك الحالي قد تمّت تسميته من قبل التيار الوطني الحرّ ليكون قائداً لوحدة الدرك الاقليمي، اذ أن التيار يمتلك اليوم حصّة الأسد من الموظفين المسيحيين في الادراة والامن والقضاء، انطلاقاً من قوة نفوذه منذ انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وقد تمدّدت رقعة هذا النفوذ بعد الانتخابات النيابية الأخيرة. كما ان مصادر قريبة منه تعتبر العميد سليلاتي من حصتّه، وبالتالي عليه أن يراعي هواجسه في كلّ ما يختصّ بقوى الأمن الداخلي. ولكن المطّلعين على هذه الملفات عن قرب في التيّار يدركون أن طلباً مثل هذا سيؤدي الى اصطدام بينهم وبين مدير عام قوى الأمن، قد يتطوّر الى خلاف حكوميّ مع الرئيس سعد الحريري الداعم الدائم والأبرز للمديرية وللوائها.

وهنا يجب ألّا ننسى أن استدعاء اللواء عثمان أمام القضاء لا يمكن ان يأخذ طريقه من دون اعطاء اذن وزيرة الداخلية بحسب ما ينصّ عليه القانون. فالمدراء العامون لا يمثلون أمام القضاء الا بعد استحصال القاضي على اذن من الوزراء الذين تتبع لهم هذه المديريات. فكم بالحري اذا كان المدير العام هو القائد السابق لسرية الحرس الحكومي في حكومة سعد الحريري الأولى ورئيس شعبة المعلومات لاحقاً وصولاً الى قيادة قوى الأمن الداخلي في عهد الوزيرة الأشدّ التصاقاً بالرئيس الحريري من بين جميع وزراء تيار المستقبل في الحكومة الحالية؟

 

أما مصادر التيار الوطني الحرّ المتابعة للملف الأمنيّ- القضائيّ فتعتبر أن الصدام حاصلٌ فعلاً لا سيما بعد أن عيّن اللواء عثمان بصفته مديراً عاماً العميد أنطوان ذكرى قائداً لوحدة الخدمات الاجتماعية خلافاً لرأي الوزير جبران باسيل الذي كان يفضّل العميد جان غريّب لهذا المنصب. بالرغم من أن ارادة الوزير باسيل انتصرت عندما عدل اللواء عن قراره وقام بتجميد برقية تعيين ذكرى، بعد أن كاد هذا الاجراء سيؤدي الى خلاف على طاولة مجلس الوزراء بين الحريري وباسيل.

 

آثار هذه الحادثة لم تمحَ، فالمقربون من الوزير باسيل يعتبرون أن اللواء يستأثر بالقرارات المتعلقة بتعيين الضباط المسيحيين. أما الأجواء القريبة من مديرية قوى الامن فتعتبر أن المدير العام يحاول اجراء تعيينات هادئة بعيداً عن الصخب السياسي أو المحسوبيات السياسية. أما مصادر التيار فتعتبر أنه اذا كان تعيين ضباط من الطائفة الشيعية في المناصب الامنية الاساسية منوطٌ بالثنائي الشيعي، والضباط السنة يرتبط تعيينهم ببيت الوسط، فهم بالتالي يريدون أن يكونوا أصحاب كلمة الفصل في تعيين الضبّاط المسيحيين. وهنا يسجلون تحفّظاً على أداء قائد الدرك العميد سليلاتي في الصراع الناعم الدائر بين التيار واللواء عثمان ويصفون هذا الاداء "بالتراخي". ويبدو أن العميد سليلاتي لم يقرّر الصدّام مع المدير العام في الملفات العالقة بين اللواء وبين المرجعية السياسية التي قامت بتزكيته على طاولة مجلس القيادة.

 

 

ومن خلال هذه المعطيات مجتمعةً يبدو أن هناك احتضاناً من قبل الوزير باسيل للقاضي بيتر جرمانوس. فالأخير الذي بدأ بمواجهة المديرية لم يكن يحظى من قبل بتأييد سياسي له من قبل الوزير باسيل وتياره في الاسابيع الماضية بالرغم من المحاولات الخجولة للوزير سليم جريصاتي. أما اليوم فيبدو أن الأمور تبدّلت، فمصادر الوزير باسيل التي تقرّ بأن فريقها السياسي الذي اتخذ قراره بعدم التدخل في الملف القضائي وتحقيقات شعبة المعلومات يتّجه لاحتضان القاضي جرمانوس. والمصادر نفسها المتصلة بالدائرة الصغرى المحيطة بالوزير باسيل تعتبر أن مخالفات جرمانوس قد لا ترقى الى مستوى ارتكابات قضاة آخرين لا تقل مناصبهم أهمية عن منصبه بالرغم من ارتباطهم بمرجعيات سياسية أساسية في البلاد.

 

 

 

 

خلاصة القول، يبدو أن شدّ الحبال بين التيار والمديرية العامة لقوى الأمن سيؤثر حكماً على استكمال ملفّ الفساد القضائي، ويبدو أن المعالجات ستتخذ منحىً آخر قد لا تنتهي الّا بعد الاتفاق على سلّة متكاملة برعاية حريريّة- باسيليّة أو الى أن يحين وقت التشكيلات القضائية التي يمكن أن تطيح بمعظم قضاة الصفّ الأول.