بعد اعتداء طرابلس... هذا ما أصاب اللواء عثمان بالخيبة
10 Jun 201906:34 AM
بعد اعتداء طرابلس... هذا ما أصاب اللواء عثمان بالخيبة
رياض طوق

رياض طوق

"أتركوا الأمن يعمل" هي العبارة التي يردّدها مدير عام قوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان عندما يُسأل عن اعتداء طرابلس الارهابي.


الرجل لا يطيل الكلام، بل يظهر امتعاضه مّما حصل غداة جريمة طرابلس. فالمواقف السياسيّة السلبيّة بدأت قبل أن تنهي الأجهزة الامنية مهمّتها في القضاء على "المبسوط" الذي حوّل العيد في طرابلس الى ليلة رعب ودماء ونار.


"نحن والجيش من مدرسة واحدة، فدماؤنا امتزجت في بعضها، وقبل أن تجفّ عن الأرض وقبل أن ندفن شهداءنا بدأت الكيديات السياسية وتصفية الحسابات". وتوجّه الى البعض بالقول "أتركونا نكمل عملنا بهدوء، فالقضية لم تغلق والجيش يتولى التحقيقات المباشرة ونحن نبذل جهدنا في كل ما يتعلّق بهذه القضية".



كثرت الإشاعات ليلة الاعتداء حول عدد الشهداء وعدد المهاجمين الذين يتحصنون داخل البناية. وبالرغم من أن المصادر الأمنية كانت تؤكد أن هناك مهاجماً واحداً محاصراً، كان هناك نوعٌ من الاصرار لدى بعض الاعلاميين والناشطين على مواقع التواصل بالقول إنّ المهاجمين كثر. هذه الاشاعات تعتبر، وفق عثمان، من الأمور السلبية في هذه الحالة، فاستعمال منصات التواصل الاجتماعي لاطلاق الشائعات، ولو من دون قصد، من شأنه أن يرتدّ سلباً على تنفيذ العملية ممّا قد يرافقها من حالات هلع وارباك. هذا الأمر نفسه ينطبق على نشر صور الشهداء قبل أن يتسنّى لأصحاب الشأن أن يؤكّدوا وفاتهم أو يقوموا بإبلاغ ذويهم. وهذا ما واجهه أهالي بعض الشهداء الذين تبلغوا نبأ استشهاد أبنائهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي. فالمسؤولية مشتركة بين المجتمع الأهلي والأمن في هكذا حالات، وعلى كل مواطن أن يكون خفيراً في التعاطي مع حالات مشابهة وألّا يزيد الطّين بلّة.


وقع العام ٢٠١٣ اعتداءٌ ارهابي في مدينة بوسطن في الولايات المتحدة الأميركية نفّذه الشقيقان الشيشانيان "تيمورلنك وجوهر تسارناييف" حيث فجّرا عبوات ناسفة وسط سباق الماراتون الذي كان يشارك فيه آلاف الأشخاص. سنة 2016 تمّ انتاج فيلم سينمائي عنوانه "patriots day" أي "يوم الوطنيين" وذلك لأنه يظهر حقيقة ما جرى منذ لحظة التفجير الى حين القاء القبض على أحد الأخوة ومقتل الآخر. فما جرى تجلّى بالتضامن بين المواطنين والشرطة والوحدات الخاصة وموظفي البلدية وموظفي أمن الجامعة وأصحاب المؤسسات التجارية ومختلف مكونات المدينة من دون استثناء. ويومها قال منتج الفيلم أن الغاية من عرضه هو اعطاء مثال بوسطن لجميع الأميركيين ليتضامنوا في ما بينهم عند وقوع هجمات ارهابية.


موقف عثمان هو موقف طبيعيّ لأي قائد جهاز أمني في لحظة مصيرية كتلك التي كان يشهدها لبنان. ففي مختلف دول العالم يضع الجميع خلافاتهم جانباً ويصبّون تركيزهم لحماية بلدهم، فلا الجمهوريين والديمقراطيين في الولايات المتحدة اتهموا بعضهم على وسائل الاعلام يوم الحادي عشر من أيلول، ولا اليمين الفرنسي هاجم قيادة الشرطة في باريس يوم الهجوم الارهابي على مسرح "باتاكلان". على الأقلّ لم نقرأ أو نسمع شيئاً من هذا القبيل.



حتى في لبنان، ففي أحلك الظروف السياسية عندما كان تنظيم "داعش" في ذروة قوته الأمنية والعسكرية كنا نشهد حدّاً أدنى من التكافل والتضامن بين المكونات السياسية. أما اليوم، فالفضيحة هي عندما يبدأ تبادل الاتهامات عبر "تويتر" بين وزير دفاع مفترض أن يكون على رأس الهرمية العسكرية في البلاد وبالتالي حصر تركيزه على الشق الامني من دون غيره، وبين فريق رئيس مجلس الوزراء المتواجد خارج البلاد والذي كان الحريّ به قطع زياراته الى الخارج مهما كانت أهميتها في هكذا لحظة. واللافت هو حين يبدأ مسؤولون برلمانيون بنشر صور لشخص ملتحٍ حيّ يرزق مدّعين أنه الارهابي الذي قتل أثناء الاشتباك، وهم من الذين يمثلون فريق "العهد" المسؤول الأول عن أمن واستقرار لبنان. وهذه دلالات تشير الى أنّ تصدّع الوضع السياسي في لبنان سينعكس حكماً على عمل الأمن الذي يجب توفير كل الغطاء والدعم السياسي والشعبي اللازم له ليقوم بعمله.


يوم تمكّن داعش في ليلة رأس السنة من تنفيذ عمليّة إرهابيّة داخل ملهى "رينا" في اسطنبول على يد مسلّح حصد عشرات الأرواح بينهم لبنانيين، قلائل الذين كانوا يعرفون أنّ هذه العملية كان مخطّط لها أن تحصل في أحد مطاعم أو ملاهي بيروت، وفي التوقيت نفسه تزامناً مع عملية "رينا". عددٌ ضئيلٌ جداً من ضباط استخبارات الجيش وشعبة المعلومات كانت وصلت لهم معلومات عن نيّة لتنفيذ عمليّة. كانوا مرتبكين الى حدٍّ ما، فهم غير قادرين على تحذير اللبنانيين كي لا يثيروا الهلع ويحاولون جاهدين ان يسبقوا التنظيم الارهابي بخطوة واحدة لقطع الطريق عليه. فكانت محاولات جديّة لاستباق العملية واحباطها. يومها، عدل التنظيم عن فكرته حوالي الساعة السابعة مساء بعد أن تحوّلت بيروت وضواحيها على طول الخطّ الساحلي في جبل لبنان الى ما يشبه الثكنة العسكريّة مواكبةً لسهرات رأس السنة. هنا سنترك لأصحاب الخيال أن يطلقوا العنان لمخيّلتهم عن كيف كان ليبدو المشهد لو لم يُحبط المخطّط.

عمليات عدّة تمّ احباطها في السابق، وذلك يعود الى عوامل عدّة:



أولاً، ان تطوّر الأمن اللبناني وصل في السنوات الخمس الأخيرة الى درجة عالية من الدقة والحرفية والتطور التكنولوجي. فالدعم الغربي الذي كان يتخوّف من استعمال لبنان كقاعدة لإطلاق الانتحاريين باتجاه أوروبا حوّل أنظار المجتمع الدولي الى بيروت. فكانت حركة ديبلوماسية - أمنية تواكب التقارير الامنية التي ترسل من والى بيروت. فبعد معركة عرسال الأولى سنة 2014 تحوّلت موازين القوى، فصمود الجيش يومها بأسلحة كلاسيكية (من دون صواريخ وسلاح جوّ) دفع بعددٍ من الدول الى الوقوف بجانبه. وهذا سرى على الأجهزة الأمنية كافةً. وهنا بدأنا نشهد فورة في الانقضاض على الارهابيين عبر تفكيك خلاياهم النائمة والتصدي لتلك المتحركة في أكثر من مكان في لبنان. ووصل  الأمر بمديرية المخابرات الى الدخول حتى الى داخل مخيم عين الحلوة كاسرةً القاعدة التي تمنع اجهزة الدولة الأمنية من دخول المخيمات الفلسطينية، وكان ذلك عندما اضطرّ الأمر لتوقيف أحد أبرز قيادات "داعش" المدعو عماد ياسين الذين كان يخطّط لعمليّات متعدّدة في لبنان.



ثانياً، انّ التنسيق بين القيادات الأمنية كان بأوجّه، بالرغم من أن الدولة كانت بحالة سيئة يومها نتيجة الاضطرابات الداخلية والتظاهرات والاعتصامات في ظلّ حكومة ضعيفة برئاسة تمام سلام وفي ظلّ فراغ في سدّة رئاسة الجمهورية. وانعكس هذا التنسيق من خلال بسط الأمن بحدّه الأقصى، وذلك بدأ يتبلور منذ معركة طرابلس في خريف سنة 2014 يوم حسم الجيش المعركة ضدّ المجموعات المسلحة. فيومها كان نهاد المشنوق وزيراً للداخلية يتقن فنّ اللعبة الأمنية متسلّحاً ببيئته "السنيّة" التي مكّنته من ارساء توازن مع القوى المتطرّفة التي كانت تريد أخذ الشارع الى مواجهة مفتوحة. وهذا مكّنه من أن يكون عرّاب انهاء الحالة الشّاذة في سجن رومية الذي حُوّل بعض أقسامه الى ما يشبه غرف عمليات تنسّق مع كافة الفصائل المتطرفة في لبنان وسوريا. وسواء كان المشنوق رجلاً شعبوياً أم لا، لكن لا يمكن انكار حضوره الطاغي والفاعل في الملفّ الأمني في فترة حرجة من تاريخ لبنان.


يومها أيضاً كان هناك مفوّض حكومة لدى المحكمة العسكرية ينسّق مع كافة الأجهزة الامنية، ولا ينتج عن خلافاته معها ثغرات معنويّة داخل المنظومة الأمنيّة - القضائيّة.