الى طلاب 2012... لا تكونوا أضحية تسوية جديدة
Lebanon Files

"اليوم النتائج"... وما أطوله نهار، كبر الخوف ودقّات القلب تسارعت منذ ساعات الليل الاولى عندما أبلغنا مدير المدرسة بموعد إعلان النتائج الرسميّة لامتحانات "البريفيه". لكن الهمّ الاكبر كان بالنسبة إليّ حينها، اين سأسمع اعلان الارقام الناجحة لأنّي اكتشفت أنّ الراديو "العتيق" عندنا لا يلتقط اثير "صوت لبنان" الى أن اتصل بي أحد الاصدقاء وأبلغني أنّ الادارة ستحصل على النتائج ربما في وقت باكر... اتذكرون تلك الايام غير البعيدة؟ يوم كانت تمضي ساعات وساعات يجلس الطالب فيها امام الراديو وتمرّ عليه الارقام بالآلاف ثقيلة وكلما تجاوز المذيع رقماً أو أكثر انتابه قلق أن يتمّ تجاوزه هو أيضاً، فالارقام الناجحة هي وحدها التي تستحق أن يحملها الاثير. وأما لحظة النجاح فهي أشبه بلحظة تسديد هدف في المونديال، لا بل أكثر لأنّ في هذه اللحظة يتمّ تسديد أول هدف في مرمى الحياة وإحراز أول كأس فوق ملعبها المتعب. وكانت حينها احلامنا بسيطة كما بساطة الوطن الذي ظنّ أنّه خرج من الحرب الى الابد وسيكون لابنائه مشاعل نجاح جديدة يجوبون بها العالم.

كان ذلك في العام 2002 وأما العام 2005 وفي يوم إعلان نتائج امتحانات شهادتي الثانويّة، وبعد مرور ثلاث سنوات كانت الاكثر حبا ودفئا وصدقا في حياتي كما في حياة كل شاب في مرحلة الدراسة الثانوية، كان شيئا ما جديدا قد طرأ على حياتنا، طبعا غير الانترنت الذي خلّصنا من همّ الانتظار تحت وقع نبرة مذيع مزعج، فلبنان بعد العام 2005 ليس كما قبله. فبعد زلزال اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري دخلنا في النفق الذي لا يبدو اننا خرجنا منه بعد، وحينها كان جيلنا الجامعي عبارة عن وقود نجحت الاطراف السياسية باشعالها فوق اضحية 8 و 14 اذار واذكر كما تذكرون كيف تحولت الجامعات الى متاريس تخرّج متظاهرين يحملون شعارات الشارع بدل ان تخرّج شعارات ومبادئ ترسم مستقبل لبنان المستقبل.

واما اليوم فاليكم باقصر رسالة على 1070 ويكفي ان تكتب فيها رقمك واسم شهادتك ليأتيك الجواب اسرع على هاتفك الخاص، خطوة متقدمة جاءت لتواكب جيلا يلتصق بشاشة صغيرة تصله بالعالم الذي تحول فعلا الى قرية صغيرة، لكنها لم تنجح بان تصله الى جاره القريب وابن بلده الذي فرقت بينهم مسافات الطوائف البعيدة ولم تنجح بجمعه 10452 كلم مربع ليس الا.

طال انتظار الطلاب هذا العام وتأخر مستقبل الالاف منهم ممن لديهم قبول في جامعات خارجية، الا انها وبسحر ساحر حُلَّت عقدة الاموال التي لم تكن موجودة لتمويل سلسلة الرتب والرواتب كما وبسحر ساحر تكتب النهايات السعيدة في هذا الوطن. على امل ان تكون لجيلنا نهاية سعيدة بعيدا عن رائحة الدواليب المحترقة والساحات المقفلة والليالي المظلمة والمتاريس المعدّة سلفا، ولاننا على يقين بان الجواب لن يأتينا برسالة قصيرة "sms " نقول لخريجي العام 2012 الذين ستصلهم في اليومين المقبلين رسالة على هواتفهم ممهورة بتهنئة رسميّة ألا يظنّوا أنّ كفاحهم في هذا الوطن سيكون سهلاً، فكما يمرّ الوطن بلحظاته المصيريّة الأصعب كذلك مصيركم ومصيرنا فإمّا أن نستحقّه وننتصر بكم وبلبناننكم الجديد وإما لن يكون لنا مكان تحت الشمس في السنين القليلة المقبلة، ونقول ذلك لأنّ الاجيال التي سبقتنا لوّثتها رواسب الضغينة وأكلت منها الحروب والفتن حتى شبعت، فأنتم المصابيح التي انتظرها خليل حاوي كثيراً ليس في لبنان فحسب إنما لتعبر من كهوف الشرق ومن مستنقع الشرق الى الشرق الجديد. ولذلك كلّه نقول لكم الميدان على رحبه خصوصاً للطلاب الذين سيدخلون الجامعات هذا العام وفي هذا الجوّ المتشنج، فإذا كنتم غير قادرين على التحدّي جرّبوا ألا تكونوا أضحية التسوية الجديدة.